مع بدء أول يوم دراسي كان ينطلق عشرات الآلاف من الطلبة متوجهين إلى مدارسهم فرحين مبتهجين وقد ارتدوا زيهم المدرسي بألوانه وبمراحله المختلفة وفي هذه اليوم ليس هناك أجمل من رؤية الأبناء والبنات وهم يحملون حقائبهم يستعدون للذهاب إلى مدارسهم، هذه السعادة لا يمكن وصفها لدرجة أن البعض يوثق هذه اللحظة كذكرى جميلة لأحد أهم مراحل حياة الأبناء.منذ تعليق الدراسة النظامية بسبب جائحة كورونا البعض فرح لذلك ظنًا منه أن ذلك سوف يُخفف من مشقة تجهيز الأبناء كل صباح ونقلهم من وإلى مدارسهم، بينما السواد الأعظم وجدها مشكلة كبيرة فبقاء الأبناء في البيت طوال أيام الأسبوع أسهم في اكتسابهم سلوكيات خاطئة في أكلهم وشربهم ونومهم وحتى في نفسياتهم وصحتهم البدنية، لدرجة أن الكثير منهم أدمن ألعاب العنف والقتل أو مشاهدة برامج غير مفيدة بواسطة الأجهزة اللوحية مما جعلهم في عزلة عن آبائهم، أضف إلى ذلك أن التحصيل العلمي والثقافي للطالب وهو في بيته من خلال «التعليم عن بعد» وخاصة في مرحلتي التأسيس والمتوسط لا يمكن أن يُقارن بالتعليم النظامي داخل المدرسة، نعم قد يكون بديلاً استثنائيًا عن «التعليم النظامي» في ظل هذه الجائحة التي نمر بها ويمر بها العالم اجمع، ولكنه لن يُغني عن الانتظام في التعليم داخل الحرم المدرسي، فالتحاق الطالب بفصول دراسية والاستماع لشرح المعلم ومداخلات ونقاشات زملائه الطلبة والتعود على الانضباط في الذهاب إلى المدرسة وحضور الحصص الدراسية والمشاركة في الفعاليات والأنشطة التعليمية والرياضية والثقافية والتواصل مع الزملاء والاختلاط بالمدرّسين واللعب أثناء الفسحة، يُكسب الطالب مهارات لا يُمكن أن يجدها من خلال «التعليم عن بعد» حتى وإن كانت كل السُبل ميسرة لدى الطالب. فالمدرسة ليست مجرد «صف دراسي» يأخُذ منه الطالب العلم والمعرفة بل هي اللبنة الأولى في غرس العلم داخل عقول الأفراد ومكان يفرغ فيها الطالب طاقته ويُجدد فيها نشاطه وحيويته ويكتسب من خلالها معارف وصداقات ومواهب ويشارك في المسابقات والمحاضرات والندوات والرحلات ومختلف الفعاليات؛ هذا كله يصقل شخصيته التي سيغدو عليها في المستقبل، نعم هذا هو التعليم الذي يجب أن يتلقاه الطالب في أهم مراحل مسيرته التعليمية.التعليم عن بعد هو مشروع ليس بمستحدث تماما، وفي الفترة المنصرمة كان خيارًا استثنائيًا وقد نرى في السنوات القادمة تفعيلا أكثر لهذا النوع من التعليم وخاصة في خضم التحول التقني العالمي والحوسبة الرقمية التي غزت كل جوانب الحياة العملية والشخصية وأصبحت هي المحرك لكثير من القطاعات وهذا التوجه لا بد أن يُستثمر بشكل إيجابي في مجال التعليم، ولكن ربما يكون هناك تدرج في تطبيقه بعد أن تعود الحياة إلى طبيعتها بعد أن يرفع الله عنا هذا الوباء. ولعل تطبيق التعليم «المزدوج» الذي يجمع بين التعليم النظامي والتعليم عن بُعد هو الخيار الأنسب للطالب بل سوف يسهم في إيجاد وقت كاف للطالب لممارسة أنشطة مدرسية مختلفة داخل المدرسة تسهم في إكسابه مهارات التفكير والابداع، ومعارف مهنية، ومهارات التعلم، وإكسابه مهارات وسمات الشخصية التي سيغدو عليها في المستقبل، بالإضافة إلى المهارات القرائية والكتابية والتقنية والكثير من المهارات التي أصبحت احد أهم العوامل التي يعتمد عليها سوق العمل في المفاضلة اثناء انتقاء الموظف، فالمؤهل الجامعي بإمكان كل الطلبة الحصول عليه ولكن ما يميز خريجا عن آخر هو ما يمتلكه من مهارات في مجال تخصصه تجعل منه الخيار الأفضل لأرباب الأعمال وكذلك إذا ما فكر في انشاء مؤسسة خاصة به.
مشاركة :