عرفته رجلا وقوراً، شديد الثبات، كثير الابتسامة، دائم الحمد، كان يرى أن لاشيء يستحق أن نقف عنده فالحياة أقصر من أن نهدرها في الأحزان. رجل لا يعرف معنى الهزيمة , ففي كل معارك حياته التي خاضها خرج منها مبتسماً، راضياً، حامداً، شاكراً، فقد كان يعرف دائما كيف يجتاز الصعاب بلا ضجيج. ولطالما أثار ثباته اعجابي وودت أني أشبهه في ذلك فبعد كل غياب تظهر تلك الشخصية القوية في قلب رجل لايجيد السقوط رغم الرياح العاتية التي تعصف به، ثم مرت الأيام لتكشف لي سبب ذلك الثبات الذي تميز به فقد رأيته واقفاً بين جمع غفير من الرجال أمام مغسلة الأموات بالكاد تعرفت عليه، كان يحاول أن يتجلد رغم الحزن الذي بدل ملامحه وغير هيئته. دخل هنالك يحمل شيئا من وقار ثباته ليودع ذلك الجسد المسجى بين أكفانه على لوح خشبي بارد، وقف يتأمله في ذهول شديد، ثم سقط على صدر أبيه باكياً، منتحباً، متشبثاً به وكأنه يستجدي روحه البقاء. في تلك اللحظات لم يكن رجلا كبيرا بالغاً بل كان طفلاً في الأربعين من عمره يبكي فراق جيشه الذي خاض به معارك الحياة ولم يخذله أبداً كنت أظن أن الصغار والنساءفقط من يلوذون بالبكاء عند رحيل آبائهم ولكني أيقنت أن موت الأب يقتل ثبات الأبناء ويميت في القلب أموراً يصعب استردادها وبعثها من جديد. إن الشيء الوحيد الذي كان ثابتاً هناك هو ذلك الجسد المسجى بين أكفانه على لوح خشبي بارد.كتب في التصنيف: خبر عاجل, مقالات كتاب بلادي تم النشر منذ 3 ساعات
مشاركة :