رواية ذات الشعر الأحمر، للكاتب أورهان باموق، يقول عنها مؤلفها إنها: «تحمل صوراً متعددة للعلاقة المتوترة بين الآباء والأبناء، يبدو الجانب السياسي واضحاً لكن الجانب الرومانسي هو الآخر حاضر هنا بقوة، عبر سلسلة متداخلة من الأساطير والقصص والمشاعر، ولمحة إثارة وغموض». يربط باموق كل هذە الأشياء معاً، ويغزلها في نسيج يجعل القارئ يلهث معه حتى السطر الأخير. تتحدث الرواية عن جيم (البطل) الذي يبحث عن بديل للأب الذي اختفى، فتتطور علاقته مع حفار الآبار، قبل أن يتعرض لحادث يُغير من حياته تماماً بعد لقائه بذات الشعر الأحمر. وحين يشكو إليها فقدان الأب تواجهه بقولها: «عليك أن تجد لنفسك أباً غيرە. فكل واحد هنا في هذا البلد له أكثر من أب، مثل الدولة الأب، الأب المقدس، الباشا الأب، أبو المافيا.. هنا لا أحد يستطيع الاستمرار في العيش بلا أب».. «فالأب يمتلك السلطة ونحن نريد التخلص منه فلماذا نشعر بحاجة إليه في الوقت نفسه؟» نحن نشعر بحاجة إلى الأب وكذلك نتمرد عليه. نرغب في قتله وبعد قتله ندرك الجريمة الكبرى. فالأب يخبر ابنه أنه يحبه كثيراً ويقطع رأسه ويبكي عليه بحرقة. فهذه مشاعر موجودة رغم تناقضها. نحن نهتم بالأب لأن هناك حاجة إلى الأب في المجتمعات التقليدية التي تشعر بحاجة إلى الاستبداد ولا تتمتع بحريات كثيرة وتُنفذ فيها الأعمال بالخضوع والانحناء. فمن هي تلك المرأة الغامضة ذات الشعر الأحمر؟ يتقاسم جيم وجيهان السرد بالأنا، في القسمين الأول والثاني يكون السرد بلسان جيم. ثم يأتي الجزء الثالث لتروي جيهان أو المرأة ذات الشعر الأحمر، عن ماضيها وعن زواجها المبكر، وهجرت العائلة إلى ألمانيا بعد الانقلاب هرباً من الملاحقة، ثم عودتها من جديد إلى المدينة التي لم تغادر حياتها. وفي أثناء حديثها مع جيم عن الماضي، ثمة نبرة حزن شفيف تسري في الحديث بينهما، يتخللها ندم من جانبها على حياتها السابقة وهو ما يقابله تعاطف من جانب جيم الذي غرق إلى أذنيه في عشقها، لم تكن مصادفة المرأة ذات الشعر هي الوحيدة، بل جيم نفسه كان يريد أن يكون كاتباً، لكنه انتهى إلى أن يكون مهندساً جيولوجيا وصاحب مقاولات، ثم رسالة أنور التي قلبت حياة جيم بعد أن كانت هانئة مستقرة. قراءة رواية ذات الشعر الأحمر، تبدو وكأنها تجربة غنية متعددة الطبقات. يتعمق فيها باموق في الوضع السياسي في تركيا، ويختلط التاريخ بالأساطير. إنها رواية عن الأسرة والسياسة، الحب والأسطورة، الشباب والعجز، التقاليد والحداثة.
مشاركة :