لا أزال غير قادر على تفهّم وجهة نظر الأشخاص الذين يتعاملون مع الحياة بجدية مفرطة، أولئك الذين يتعاملون معها بحسابات دقيقة، أولئك الذين يخططون لكل خطوة فيها، لست أفهم لما يفعلون ذلك معها، فهي مراوغة وعابثة وقصيرة، ومن الغبن تحميلها أكثر مما تستحق، هي غير محكومة بمنطق مطلقا، فهي قد تنقلب في لحظة واحدة غير محسوبة، خبر واحد أو حدث واحد قادر أن يقلبها على رأس صاحبها وبشكل شامل.وأنا بحديثي هذا لا أدعو إلى أن نكون عبئا على الحياة ولا ألا نتحمل مسؤولياتنا فيها على الإطلاق، فعلى كاهلنا كبشر مسؤوليات وأعباء لا مجال أمامنا للتنصل منها، فنحن مسؤولون بأن نكفل لأنفسنا ولمن نعولهم حياة كريمة هانئة قدر الإمكان، حياة لا نحتاج فيها إلى أحد ولا نضطر فيها لأن نتسول أحدا.لنعش حياتنا باكتفاء كامل دون أن نبالغ بالركض حول كماليات ليست بذات أهمية، ولا أن نعيش في صراعات مع الآخرين لتحقيق نجاحات تمنحنا شعور الأفضلية والامتياز عليهم، في مقابل عمرنا الذي تسرقه منا دون أن نشعر.وبتصوري، فإن قضاء عمرنا البشري القصير في ركض طويل ودائم خلف أهداف وطموحات لا تنتهي هو نوع من تضييع هذا العمر خلف اللا شيء، وأن جميع هذه الغايات سنجد في مرحلة ما من عمرنا بأنها لا قيمة لها ولا معنى، وأننا لو خففنا قليلا من هذا الركض العبثي الذي نفعله وفكرنا في جدواه وأهدافه لوجدناه بلا جدوى حقيقية تستحق كل هذا الجهد.الحياة أبسط من كل هذا التعقيد الذي نغلفها به، ومتطلبات واحتياجات النفس البشرية فيها لا تقل عنها بساطة، لكننا نحن البشر نسقط كل عقدنا النفسية ومركبات النقص التي فينا على هذه الحياة، فنعيد قولبتها على شكل أهداف وطموحات ونجاحات لنبقى نركض خلفها طوال عمرنا حتى تسقطنا الأيام دون أن نصل إلى نهاية منطقية معها، لأنها مجرد سراب نحن من نختلقه في مخيلتنا لنموت ونحن نركض خلفه.لا أعتقد أن هناك كائنا يَدعي العقل والمنطقية في حياته ويمارس عكسها كما الإنسان، ولا أعتقد أن هناك أكثر مراوغة وعبثية واضطرابا أكثر من حياة هذا الكائن.
مشاركة :