«ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم» الآية - 114 - سورة البقرة. لا يختلف اثنان على أن القرآن صالح لكل زمان ومكان، ومن منطلق هذه الحقيقة الإيمانية الراسخة، علينا أن نناقش أمور ما يجري حاليًا من تحالف محور الشر الإيراني السوري والحركات الإسلامية المتطرفة، التي تدعي عداء العدو الصهيوني ومخططاته لتمزيق الأمة الإسلامية وتدمير بناها التحتية ونشر الرعب في أقطارها. ولا نريد أن نذهب بعيدًا في التاريخ، بل سننطلق من هذا اليوم: الأول من شباط - فبراير عام 1978. وهو اليوم الذي انطلقت فيه طائرة الأيرباص من قاعدة عسكرية فرنسية حاملة الخميني من باريس إلى القصر الامبراطوري في طهران. منذ هذا اليوم بدأت خيوط اللعبة الصهيونية الإيرانية تنسج ضد العالمين العربي والإسلامي، وقد لعبت وسائل الإعلام الغربية المرتبطة بالصهيونية دورًا كبيرًا في تلميع صورة الثورة الإسلامية، التي بشر بها الخميني كي يتمكن من لعب الدور الذي أعد له ولخلفائه من بعده على أكمل وجه، وكما رسمته لهم الدوائر الصهيونية. بدأ هذا التلميع بالأكذوبة الكبرى وهي أكذوبة اعتقال رهائن السفارة الأمريكية في طهران، التي كانت عبارة عن صفقة قذرة بين الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان والإمام الخميني من أجل تسويق تصدير الثورة، التي كان يدعو لها للعالم العربي والإسلامي، وقد كشفت الوثائق السرية أنه لو لم تقم إيران بأخذ الرهائن لقام ريجان بتسليمهم له من أجل تمكينه من لعب دوره القذر في تدمير العالم الإسلامي. وعلى المستوى نفسه من التلميع نسجت وسائل الإعلام الغربية السيناريو نفسه مع حافظ الأسد، فقد صورته على أنه البطل الوحيد في الوطن العربي القادر على الوقوف في وجه العدوان الصهيوني، وذلك بعد انسحابه المذل من الجولان في حزيران بصفته وزيرًا للدفاع آنذاك قبل أسابيع من دخول جندي إسرائيلي واحد إلى تلك المنطقة، إذ أثبت لهم أنه الرجل الوحيد القادر على تنفيذ مخططاتهم دون أن يشك أحد في وطنيته. لقد نجحت الدوائر الصهيونية في تسويق الخميني والأسد تمهيدا للدور الذي سيلعبه النظامان مستقبلاً في تدمير العالم العربي والإسلامي. وسنحاول في هذه العجالة أن نضع بعض الحقائق الدامغة في إدانة النظامين الإيراني والسوري والتي لا يمكن لعاقل أن ينكرها. منذ ذلك التاريخ الأول من شباط - فبراير - عام 1978، خاض النظام الإيراني حرب الخليج الأولى، التي تعتبر من أطول وأكثر الصراعات الدموية في القرن العشرين، والتي دامت ثماني سنوات وكلفت الأمة الإسلامية والعربية خسائر تقدر بأربعمئة مليار دولار ونحو مليون قتيل.. ولم تخف إيران نواياها من هذه الحرب فقد اعتبرتها حربًا دينية حين أطلقت عليها اسم «الدفاع المقدس». على الجانب الآخر وفي نفس الفترة في التحديد خاض النظام السوري حربًا شرسة على كل القوى الوطنية المعادية لإسرائيل، وطرد تلك القوى من الجنوب، وفتح الطريق أمام الجيش الإسرائيلي لاحتلال بيروت، وأكمل ما عجز الجيش الإسرائيلي عن إكماله بطرد ما تبقى من بؤر المقاومة في الشمال اللبناني. بعد هذه الخدمات التي قدمها النظامان سمحت إسرائيل للنظامين أن يشكلا القوة العسكرية الضاربة الوحيدة في لبنان تحت سمعها وبصرها، ولم تكتفِ بذلك السماح، وإنما ساهمت في تلميعها وإظهارها للناس بأنها حامية حمى العروبة والإسلام، وذلك بعدما خاضت معها حروبًا وهمية وجهت فيها كل حقدها على الأرض والبشر فدمرت لبنان أكثر من مرة دون أن تطلق قذائفها على البنية التحتية العسكرية لحزب الله، وجعلته يخرج من كل حرب أقوى من السابق، من أجل أن يتمكن من لعب دوره المرسوم له مسبقًا من قبل الدوائر الصهيونية العالمية. إذ لا يمكن لعاقل أن يتخيل أن إسرائيل التي هزمت كل الدول العربية عام 1967، والتي اجتاحت لبنان من جنوبه لشماله مرورًا بعاصمته لتخرج الثورة الفلسطينية من لبنان، عاجزة عن مقارعة أفراد حزب الله الذين صورتهم كأنهم ملائكة لا يهزمون، وصورت صواريخهم، التي تدل كل الآثار التي خلفتها أنها لم يكن لها التأثير الكبير على الكيان الصهيوني بأنها قوة لا قبل لإسرائيل بمواجهتها، وسخرت كل وسائل الإعلام الغربية التابعة لها من أجل تسويق هذه الصورة للوجدان العربي. بعد ذلك قامت الدوائر الصهيونية باختبار آخر لهذين النظامين العميلين، فأوكلت لهما مهمة التخلص من النظام العراقي، وذلك من أجل توسيع رقعة الهلال الشيعي، التي حذر منها الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال الخبير بدهاليز السياسات الدولية، فقاما بواجبهما خير قيام في تدمير العراق وتمزيقه والاستيلاء عليه تحت سمع وبصر كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. لم يأتِ هذا الصمت الأمريكي والصهيوني على التغلغل الشيعي من فراغ، وإنما جاء من خلال خطة مرسومة ومعدة من قبل، وهي إذكاء جمر العداء الشيعي السني في المنطقة، فقد جعلت من العراق ساحة اختبار حقيقية لهذا الصراع، وكانت المساجد هي الهدف الأول والأخير للتفجيرات العظيمة، التي شهدتها الساحة العراقية، والتي تحولت بعد ذلك إلى نزاع شيعي سني مكشوف. على الساحة السورية استطاع النظام السوري وتحت سمع وبصر الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من تحويل المقاومة الوطنية السورية له إلى حركات وأحزاب إسلامية سنية شيعية متصارعة، ولا يمكن لعاقل أن ينكر الدور الصهيوني الأمريكي في صنع وتفريخ وتسليح وتمويل هذه الجماعات ليتحول النزاع من قوى وطنية تناضل من أجل حريتها إلى نزاع ديني طائفي لا يمكن أن ينتهي أو تخبو ناره. بعد أن ثبت للقوى المعادية الطامعة في ثروات ومقدرات الأمة العربية والإسلامية، أن خطتها في تفريخ منظمات وحركات إسلامية وتوزيعها على أقطار العربي والإسلامي، أكثر جدوى لها من كل جيوشها وأسلحتها النووية، تحاول الآن أن تصدر هذه الحركات والتنظيمات إلى مختلف أقطار العربي والإسلامي، فهذه المنظمات التي توحي للناس أنها متناقضة ظاهريا هي منظمات وحركات منسجمة جوهريًا، وتعمل كلها من أجل تدمير العالم العربي والإسلامي وبث الرعب فيه، وذلك من خلال استهداف مساجد الله، وأسواقه ومرافقه العامة. إن المتتبع لهذه الحركات المتطرفة، ومن خلال ما تقوم به من أعمال إرهابية تطال كل أقطارها دون أن توجه أي ضربة لعدوها الحقيقي يدرك تمام الإدراك أن هذه المنظمات التي تلبس الدين ما هي في الحقيقة إلا منظمات صممت من قبل أعداء الأمة لتدمير الدين بأيدي أصحابه، ولا يمكن لهذه المنظمات أن تنتهي أو تختفي من الوجود إلا من خلال بث الوعي لدى الشباب بأخطارها وآفاتها العظيمة، فأعداء هذه الأمة من صهاينة ومجوس لا يمكن أن يتوقفوا عن حركات إسلامية بمسميات أخرى طالما أن أبناء الأمة لم يستوعبوا الدروس السابقة لهذه الحركات، التي تدعي خدمة الدين والدين منها براء. حذارِ إذن من ظاهرة إرهاب المساجد، هذه الظاهرة التي يسعى أعداء الأمة لتكريسها.. إذ كيف لعاقل أن يصدق أن من يدعي الدين يكون واحدا ممن وصفته هذه الآية الكريمة: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم) الآية - 114 - سورة البقرة. لكن عزاء هذه الأمة أن الله سبحانه وتعالى أخبرنا بمصير هؤلاء الظالمين، وأن العزة لله جميعًا وأن لهذه البيوت ربًّا يحميها من هؤلاء الظالمين ومن القوى الشريرة، التي تقف وراءهم، فهؤلاء لهم في الدنيا خزي في الآخرة عذاب عظيم. المزيد من الصور :
مشاركة :