اعتنى الإسلام باليتيم عناية خاصة، بسبب الحرمان والضعف والانكسار الذى يعيشه بعد فقد عائله.. وكى لا يكون الأمر محل جدل أو تأويل، فقد نص الشارع الحكيم على ذلك صراحة فى كتابه العزيز فى غير موضع، وصار الإحسان لليتيم والتحذير من المساس بحقوقه قرآنا يتلى إلى يوم القيامة.وترغيبا فى مد يد العون والإحسان لليتيم، حمل القرآن الكريم والسنة المطهرة بشريات عظيمة لكافلى اليتامى والمحسنين إليهم، وتوعد المقصرين وآكلى أموالهم ظلما بالوعيد الشديد. وكفى كافلهم شرفا أن يكون رفيق النبى فى الجنة، وبئس سالب حقهم مآلا من الخلود فى النار. اليتيم هو الذى فقد أباه ولم يبلغ بعد، وقد تزيد معاناته بأن يفقد أباه وأمه معا، وكفالة اليتامى والإحسان إليهم مسئولية المجتمع، كل حسب طاقته، مشيرا إلى أن الإحسان لليتيم له صور متعددة، منها التصدق عليه وكفالته ماديا، والإنفاق على تعليمه، تعهده بالتربية والرعاية، والتوجيه، وجبر خاطره، فمن صار بين الناس جابرًا للخاطر أدركه الله فى جوف المخاطر، مع الحرص على مخالطته ومجالسته كى لا يشعر بالضعف والهوان، فالكفالة ليست مادية فقط، بل معنوية أيضا. فإذا كان هذا الضعيف قد فقد أباه، فليكن كل آباء المجتمع أبا له. وهذا واجب المجتمع المسلم..الرفق باليتامى وبمن ليس لهم وليٌ من دون الله والرفق بأشخاص أحوجهم الزمان إلى مأوى وملبس وكسرة خبز.أكثر شيء يؤذى اليتيم هو أكل ماله لأنه صغير لا يعرف حفظه ولا الدفاع عن حقه ولا منع المعتدى عليه، ولذا كُرر فى القرآن النهى عن العبث فى مال اليتيم أو المخاطرة به، ونهى القرآن عن المساس بمال اليتيم بسوء فقال تعالي: «وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّه»، ومن ثم فلا يجوز التصرف فى مال اليتيم إلا بما يكون فى مصلحته من خلال تنميته بالتجارة المأمونة أو نحو ذلك، ولحفظ مال اليتيم لم يقتصر القرآن على النهى عن قربانه فحسب حتى بين أثر ذلك على مقترفه، فقال «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرا»، ولعظم السؤال والجواب وعظم حق اليتيم فإن الله تعالى ذكر مسألتهم فى كتاب يتلى إلى يوم الدين «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُم». وترغيبا فى العناية باليتامى وكفالتهم ذكر القرآن الكريم أن إكرام اليتيم من صفات المؤمنين المتقين وهو السبيل إلى الفوز بالجنة، قال تعالى «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا».وقد اعتبر الإسلام أكل مال اليتيم من الأمور التى تورد صاحبها النار بل وعدها من السبع الموبقات فقال صلى الله عليه وسلم «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ»، وعد منها «..أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ».المرأة التى يتوفى عنها زوجها، ويترك لها ذرية ضعافا، فإنها فى هذه الصورة تظهر أصالة معدنها وقوة إيمانها، فإن كانت مؤمنة تقوم بما فرضه الله عليها، وتؤدى ما عليها من حقوق نحو ربها ودينها، فإنها تؤدى بهذا المقام وتبلى بلاء حسنا، فى الحفاظ على الأولاد وتنشئتهم تنشئة سليمة، وتقوم بدورين معا: دورها الأساسى (الرعاية والتنشئة)، ثم دور الرجل فى الصون والحماية، وهى إن فعلت كان لها أجر المحسنين، يقول صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة توفى عنها زوجها وترك لها ذرية ضعافا فقامت عليهم، إلا بنى الله لها قصرا فى الجنة، وقيل لها ادخلى من أى أبواب الجنة شئت).واجب المجتمع إعانة كل سيدة فقدت عائلها وتربى أيتاما لها، ومساندتها ماديا ومعنويا كأخت أو ابنة لهم، وعدم استغلال ضعفها وحاجتها، أو التضييق عليها لدفعها إلى ما لا يرضى الله ورسوله، كزيجة جائرة، أو ما نشاهده كثيرا فى حالات الغارمات، وذلك انطلاقا من مبدأ التكافل الذى يقره الإسلام فى الشدائد وعند الحاجة. لذا جعل الرسول الكريم حق الضعيفين (اليتيم والمرأة) من أولى الحقوق بالرعاية والعناية قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ إِنِّى أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: حَقَّ اليتيم وحق المرأة، كما شدد على دور الجمعيات الأهلية فى كفالة اليتامى وتوفير احتياجاتهم، وحذر من المساس بحقوق هؤلاء اليتامى أو المتاجرة بظروفهم، فذلك إثم كبير، عاقبته وخيمة، ولفت إلى أن أموال اليتامى التى طالب القرآن بالحفاظ عليها وعدم المساس بها ليست قصرا على أموال ميراثهم أو ما يصرف لهم من معاش شهري، بل إن كل مال تم جمعه أو التبرع به باسم اليتامي، سواء من صدقات أو زكاة أو هبات، أو نحو ذلك، إنما هو مال لليتيم..وبمجرد إخراجه أصبح حقا واجبا لليتيم ليس لأحد أن ينال منه أو يحبسه أو يعتدى عليه أو يماطل فى دفعه لليتيم، وإلا تعرض لعقوبة أكل أموال اليتامى التى حذر منها القرآن الكريم.من يحسن إلى اليتيم ويقوم على الرعاية الاجتماعية والعلمية له وتأمين مستقبله وتوفير الحياة الآمنة الهنيئة له، مشيرة إلى أن للولاية على اليتامى فضائل عظيمة منها: النجاة من النار ودخول الجنة لقول النبى صلى الله عليه وسلم «مَنْ ضَمَّ يَتِيمًا بَيْنَ أَبَوَيْن مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يستغنى عنه وجبت له الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ»، وقوله «مَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَهُ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِى الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ» وَقَرَنَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَي. وبشر النبى صلى الله عليه وسلم بأن لكفالة اليتيم والإحسان إليه خيرا وبركة تعم الجميع، فقال «خَيْرُ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ وَشَرُّ بَيْتٍ فِى الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ»، وتشمل البركة الولد والمال وتمتد إلى الأحفاد، ويعد الإحسان إلى اليتيم من أسباب معالجة قسوة القلوب ونقص الإيمان، فحينما شَكَا رجل إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ قال له النبى «امْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ وَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ».
مشاركة :