بغداد: حمزة مصطفى بحماية نحو 35 ألف عسكري على الأرض ومشاركة طيران الجيش، أحيا نحو مليوني مواطن شيعي عراقي، أمس، مراسم ذكرى عاشوراء، التي تصادف مقتل الإمام الحسين بن علي في واقعة الطف بكربلاء. ورغم شدة الإجراءات الأمنية، فإنها لم تتمكن من حماية الحشود والمواكب في الكثير من المحافظات، حيث سقط عشرات القتلى والجرحى في بغداد وديالى والكوت جراء تفجيرات بهجمات انتحارية وعبوات ناسفة. ففي واسط شرق بغداد، أسفر انفجار عبوتين ناسفتين، انفجرتا بالتزامن مع مرور موكب حسيني في منطقة الحفرية (50كم) جنوب العاصمة بغداد، عن مقتل وجرح 15 شخصا. وفي قضاء خانقين بمحافظة ديالى، أدت ثلاث هجمات انتحارية بحزام ناسف وعبوات ناسفة على أحد المواكب الحسينية إلى مقتل وجرح 82 شخصا، وهو ما أدى بالمحافظة إلى إعلان الحداد لمدة ثلاثة أيام. وفي بغداد، وطبقا لمصدر أمني، سقط ستة أشخاص بين قتيل وجريح بتفجير عبوة ناسفة في قضاء المدائن (جنوب بغداد) استهدفت موكبا حسينيا. وكانت وزارة الداخلية العراقية أعلنت دخول 42 ألف زائر عربي أو أجنبي إلى العراق، عبر منافذ المحافظات الجنوبية والوسطى للمشاركة في إحياء ذكرى العاشر من محرم. وقال مدير المنافذ الحدودية، في وزارة الداخلية، اللواء عصام الحلو، في بيان له، إن «منافذ سفوان والشلامجة والشيب وزرباطية ومطار النجف، سجلت دخول 42 ألف زائر عربي وأجنبي إلى البلاد خلال الأيام القليلة الماضية، لأداء مراسم زيارة الإمام الحسين في العاشر من محرم الحرام الحالي». وأضاف الحلو، في بيانه، أن «الزائرين قدموا من دول الكويت والإمارات والبحرين وإيران وباكستان وبنغلادش، فضلا عن إيطاليا وفرنسا والسويد وبريطانيا وهولندا وألمانيا». وبينما سعى عدد من القيادات الشيعية البارزة، بدءا من رئيس الوزراء وزعيم ائتلاف «دولة القانون» نوري المالكي، للاستفادة من المواكب الحسينية للترويج لحملاتهم الانتخابية - فإن المفاجأة الكبرى ظهرت من بين المواكب نفسها التي خرجت لأول مرة عن خطها التقليدي لترفع شعارات معادية للحكومة ولمظاهر الفساد المالي والإداري المستشرية داخل الطبقة السياسية العراقية. وفي هذا السياق، فقد عد رئيس «التحالف الوطني»، إبراهيم الجعفري، «القوى السياسية على المحك في برهان إخلاصها للوطن». وقال بيان لمكتب الجعفري عنه قوله، خلال مشاركته في مجلس عزاء أقامه رئيس الوزراء نوري المالكي في ذكرى عاشوراء، إن «القوى الوطنية، والشخصيات، والرموز الذين يعتلون المنابر اليوم كلهم على المحك، فليبرهنوا على أنهم مخلصون لوطنهم، وأنهم بمستوى حمل الأمانة، وأمناء على أعراضهم، وأمناء على أفكارهم، وعلى تاريخهم. هذا هو المطلوب من هؤلاء جميعا». وطبقا لرؤية مقربين من المرجعية الدينية الشيعية العليا، فإن الهتافات التي رددها المشاركون في المواكب الحسينية بمدينة كربلاء «شكلت صفعة قوية للعملية السياسية وللطبقة التي أنتجتها طوال عشر سنوات». ومن بين الهتافات التي جرى ترديدها هناك «لا حلال ولا حرام.. منكم تبرا (تبرأ) الإسلام.. يا أبو ألاحرار هاي أصواتنا». و«غسل أيده ألشعب (أي يأس) من حكامه. بالمآسي ضيعوا أحلامه. بينت لعبت هالأحزاب. هم يجي يوم الحساب». ومن جهته، فقد عد أستاذ الحوزة العلمية والمقرب من المرجعية الشيعية العليا حيدر الغرابي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، «ما حصل اليوم (أمس) في كربلاء صحوة حسينية، تمثلت ومن دون توجيه من المؤسسة الدينية، في استحضار ما هو سياسي بسبب تراكم الفشل الحكومي وتكرار الحديث عن ملفات الفساد المالي والإداري دون محاسبة، وبالتالي فإننا نعد هذه هي حقيقة ما يعبر عنه في إطار وعي مجتمعي عابر للطائفية المقيتة، حيث الناس بدأت تميز بين الغث والسمين». وأضاف الغرابي أن «العامل المهم فيما حصل بكربلاء من ترديد لمثل هذه الشعارات، هو تزامنها مع موسم الانتخابات ورغبة بعض القوى السياسية في ركوب موجتها، بالإضافة إلى فشل كل الطبقة السياسية في تحقيق شيء. وبالتالي، فإن الحراك الشعبي العام انتقل إلى المراسم الحسينية، لأن الأهم هو ليس البكاء على الحسين، بل استلهام المبادئ التي عبر عنها». وأكد الغرابي أن «الخلاف بين الشيعة والسنة ليست هي العقيدة، بل إن السياسيين يحاولون العمل على التفريق بين أبناء الشعب الواحد لأنهم لا يستطيعون الاستمرار دون ركوب موجة الطائفية، وهو ما بات يدركه العراقيون جميعا سنة وشيعة، لأن مظلومية الطرفين باتت واحدة جراء ما عمله السياسيون طوال السنوات العشر الماضية». وردا على سؤال بشأن ما إذا كانت هذه الصحوة المجتمعية سوف تنعكس على الانتخابات المقبلة، قال الغرابي إن «ما نخشى منه أن تعمد الطبقة السياسية إلى إحياء النعرات الطائفية والتركيز عليها من منطلق أن العراقيين عاطفيون وربما يتأثرون بسرعة، ولكننا نأمل ألا تنطلي حجج السياسيين وما سوف يطلقونه من مخاوف لكسب الأصوات، وإنه يتعين على الشارع السني قبل الشيعي استيعاب ذلك وإفراغ كل الدعاوى من محتوياتها، لأن العراقيين جميعا معاناتهم واحدة دون استثناء».
مشاركة :