أهدى الفنان المصري يحيى الفخراني الليلة الأولى من عرضه المسرحي الجديد «ليلة من ألف ليلة» إلى روح صديقه نور الشريف الذي رحل قبل أيام، تاركا خلفه تراثا فنيا معتبرا، ولم يطلب الفخراني من الجمهور الوقوف حدادا على روح الشريف مرددا عبارة الحلاج الشهيرة: «الناس موتى وأهل الحب أحياء». وافتتح وزير الثقافة عبد الواحد النبوي مساء الخميس الماضي المسرح القومي، وذلك بعد إتمام عمليات تطويره التي استمرت قرابة الأربعة أشهر بعد تعرضه لحريق عام 2008، بحضور عدد من الفنانين والمثقفين ورجال الدولة يتقدمهم الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء الأسبق، مستشار الرئيس المصري، الذين شاهدوا عرض الافتتاح وهو مسرحية «ليلة من ألف ليلة» أحد كنوز المسرح الغنائي المصري الذي يستعرض مفارقات بين عالمي القصور والصعاليك من وحي قصص ألف ليلة. وقال الفخراني قبيل بدء أولى ليالي «ألف ليلة وليلة» إنه يهدي المسرحية إلى صديقه نور الشريف الذي «طالما وقف على خشبة هذا المسرح ممثلا ومخرجا»، والمسرحية كتبها بيرم التونسي (1893 – 1961) ولحنها المصري أحمد صدقي (1916 – 1987)، وإخراج محسن حلمي، ويشارك في بطولتها مع الفنان يحيى الفخراني، سلمى غريب وهبة مجدي ولطفي لبيب ولقاء سويدان وضياء عبد الخالق والمطرب محمد محسن، ديكور محمد الغرباوي، أزياء نعيمة العجمي، تنفيذ موسيقى يحيى الموجي، استعراضات مجدي صابر. وكعادته أشعل الفخراني بحضوره الطاغي فضاء المسرح وهو يتنقل بسلاسة بشخصية «شحاتة» الشحاذ المحتال مجسدا أدوار اللص والوزير والقاتل، ولاقى العرض استحسان الجمهور الذي تفاعل معه بالتصفيق الحار. و«ليلة من ألف ليلة» قدمت لأول مرة كـ«أوبريت» غنائي للإذاعة المصرية وشارك بالغناء فيه المطربون المصريون الكبار كارم محمود وشهرزاد وسيد إسماعيل. وعرضت المسرحية على خشبة المسرح في القاهرة أربع مرات كانت الأولى عام 1931 في دار الأوبرا التي احترقت يوم 28 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1971 والثانية في المسرح القومي عام 1958 والثالثة عام 1972 والرابعة عام 1994 على مسرح الجمهورية التابع لدار الأوبرا المصرية بطولة الفخراني أيضا أمام المطربين علي الحجار وأنغام، وقال مخرج العرض محسن حلمي في دليل تعريفي للمسرحية إن هذا النص الذي كتبه بيرم التونسي «قطعة نادرة من التراث لا تحتمل التأويل ويكفي أن صناعها هم صناع الطرب والشعر والموسيقى». وتلعب الموسيقى دورا دراميا في المسرحية منذ المشهد الأول حيث يشارك البطل ومساعده وابنته في الغناء متوسلين إلى المارة بالقرب من أحد المساجد لكي يشفقوا على حالهم ويعطوهم بعض المال منادين: «إلهي ما يغلب لك حال.. ولا تمد أيدك لسؤال.. ولا يشمت فيك أعداء.. ولا ييتم لك أطفال». وأعربت لميس جابر عن سعادتها بأداء زوجها يحيى الفخراني، في المسرحية وأكدت أن «شحاتة» (اسم البطل في العرض المسرحي) اليوم أكثر حضورا عما كان من قبل في النسخة القديمة التي جسدها أيضا الفخراني عام 1994، وأشارت إلى أنها مهما قالت عن أداء الفخراني فستكون شهادتها مجروحة لأنه زوجها، مؤكدة أنها تعتقد أنه يكون أكثر حضورا على خشبة المسرح من شاشة السينما. وصاغ شاعر العامية المصري الأبرز بيرم التونسي مسرحيته استلهاما للأجواء الخيالية لقصة «ألف ليلة وليلة» الشهيرة، حيث يلعب القدر دورا في الصعود الطبقي للبعض ودورا تراجيديا في الانتقام من الآخرين، والمسرحية من الأعمال الفنية العابرة للأجيال بسبب استنادها إلى دراما إنسانية تخلو من المباشرة حيث يتعلق قلب الخليفة بابنة الشحاذ حين يراها مصادفة ثم يتنكر في زي بستاني ليتمكن من رؤيتها ولا تعرف أنه الخليفة إلا في المشهد الأخير حين يسدل الستار. وعقب العرض صعد الجنزوري والنبوي على خشبة المسرح لتهنئة الفنانين بالعرض، وهو ما لاقى تصفيقا من الجمهور، وقال الفنان الفخراني: «إن آخر مرة وقفت على خشبة المسرح القومي كانت عام 2002، وصعد الدكتور كمال الجنزوري وكان وقتها رئيسا سابقا للوزراء، لكنه من فرط حب الناس له لاقى تصفيقا حادا، لدرجة أن عينيه أغرورقتا بالدموع، وها هو يقف مرة أخرى وينال حظه الوافر من التصفيق الذي يعبر عن حب الناس له». وقال وزير الثقافة إن «عودة الروح للمسرح القومي بعرض كبير أمر يليق بهذا الحدث وتقدير لدور المسرح المصري ومن ساهموا فيه من الفنانين الكبار مثل الفخراني، الذي تفانى في تقديم هذا العرض الرائع من أجل جمهوره ومحبيه»، مشيرا إلى أن المسرح المصري شهد طفرة كبيرة، خاصة بعد عودة النجوم للمسرح مثل الفنانين يحيى الفخراني وأحمد بدير وسامح حسين، مؤكدا أن «عروض الشباب المسرحية تستحوذ على أغلبية إنتاج البيت الفني للمسرح وهو أمر في بالغ الأهمية كي تتواصل الأجيال على خشبة المسرح المصري، إضافة إلى جولات عروض المسرح في المحافظات». وقال يوسف إسماعيل مدير المسرح القومي إن «المسرح بهذا العرض استعاد أبهى صوره وأعاد الأمل في تقديم خطة فنية طموحة تعيد أمجاد الماضي وتبشر بالمستقبل وتجعل المسرح القومي في المكانة اللائقة به بين مسارح العالم».
مشاركة :