الاستِشَارة أَمَانَة، ومَن استَشَارَك فقَد ائتمنك، ويَجب أن تُشعل حَواسّك كُلّها؛ مِن أَجْل أنْ تُعطي مَن يَستشيرك؛ أفضَل مَا عِنْدَك مِن الآرَاء والحقَائِق.. وحتَّى نقرن النَّظريّة بالتَّطبيق، إليكُم هَذه القصَص التي تُعطي المَعنَى الحقيقي للصِّدق في الاستشَارَة، وتُؤكِّد المَثَل القَائِل: «مَا خَاب مَن استشَار»..! تَقول كُتب التُّراث: (استشَار «زياد الحارثي»؛ «عبيدالله بن عمر» في أخيه «أبي بكر» أنْ يُولّيه القَضَاء، فأشَار عَليه بِهِ، فلمَّا بَعَث إلَى «أبي بكر» قصد «أبوبكر»؛ «عبيد الله» يَقول: أنشدك بالله، أَتَرَى لِي أَنْ أَلِيَ القَضَاء؟ قَال: اللَّهم لَا، قَال زيَاد: سُبحَان الله! استَشرتُك فأَشرتَ عَليّ بِهِ، ثُمَّ أسمعك تَنهَاه؟ قَال: استَشرتني فاجتَهدتُ لَك رَأيي ونَصحتك، واستَشَارني فاجتَهدتُ لَه رَأيي ونَصحته)..! هَذا فِيما يَخصُّ جَانب الإخلَاص في المَشورة، أمَّا فِيمَا يَخصُّ التَّحرُّج والتَّحوُّط في المَشورة، فهَذه قصّة حَدَثت للإمَام «البَصري»؛ مَع الخليفَة «عمر بن عبدالعزيز»، تُؤكِّد عظَم الأمَانَة، حَيثُ تَروي الكُتب القصّة التَّالية: (كَتَب الخليفَة «عمر بن عبدالعزيز» إلَى «الحَسَن البَصري» يَقول لَه: «إنِّي قَد ابتُليتُ بهَذا الأَمْر، فانظرُوا لِي أعوَانًا يُعينوني عَليه»، فكَتَب إليهِ «الحسن»: «أمَّا أبنَاء الدُّنيا فلَا تُريدهم، وأمَّا أبنَاء الآخرة فلَا يُريدونه، فاستَعن بالله والسّلام)..! أكثَر مِن ذَلك، نَجد مِثَالاً عَلى إخلَاص الذين تُطلب مِنهم المَشورة، ودِقّتهم في اختيَار المُفردَات، حَيثُ تَروي الكُتب القصّة التَّالية: (قَال «عدي بن أرطأة» لـ»إياس بن معاوية»: دلّني عَلى قَوم مِن القرّاء أُوَلِّهم، فقَال لَه: القرّاء ضَربان: فضَربٌ يَعملون للآخرة ولَا يَعملون لَك، وضَربٌ يَعملون للدُّنيا، فمَا ظنُّك بِهم إذَا أَنْتَ وَلّيتهم؛ فمَكّنتهم مِنها؟ قَال: فمَا أصنَع؟ قَال: عَليك بأهل البيوتَات، الذين يَستحيونه لأحسَابهم فولِّهم)..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي أنَّ المَشورة لَا تُطلب إلَّا مِن أَهْل الثِّقَة، وكُلَّما كَان المُستشَار مُستقلاً عَن طَالِب المَشورة، ولَا يَتقَاضَى مِنه مَالاً، كَان إلَى الصِّدق أقرَب، وإلَى الصَّوَاب أمْيل..!. تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com
مشاركة :