لماذا تجاوزت ألمانيا وتعثرت اليابان؟ - أيمـن الـحـمـاد

  • 8/16/2015
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

قبل سبعين عاماً وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، ولاتزال ذكرى سنوات الحرب حاضرة في أذهان دول المحور الذين استسلموا في مواجهة الحلفاء، لكن استسلام اليابان وألمانيا لم يكن يوماً استسلام أمة، بقدر ما كان استسلاماً عسكرياً بحتاً، فقد أماطت هاتان الدولتان اللثام عن قدرتهما المدهشة في تحويل هزيمتهما إلى نصر بعد أن أصبحتا بعد عقدين فقط من انتهاء الحرب عملاقين اقتصاديين. وعلى الرغم من أن سكان الدولتين الذين عايشوا الحرب قد رحلوا اليوم ليولد جيل جديد، إلا أن ما خلّفته الحرب من ذكريات يستعصي على النسيان، لاسيما في الشرق الآسيوي؛ حيث يتذكر جيران اليابان - وعلى وجه التحديد الصين وكوريا - الذكرى السنوية للحرب العالمية باستحضار معاناتهم من ويلاتها والمجازر والانتهاكات التي ارتكبت واعتذرت عنها طوكيو فيما بعد، إلا أن هذا الاعتذار لطالما كان ينظر إليه من الصين وكوريا الجنوبية على حدٍ سواء بأنه اعتذارٌ منقوص. لكن لماذا يبدو الماضي حاضراً بشكل مكرور في آسيا أكثر منه في أوروبا - وتحديداً ألمانيا - التي ارتكبت في عهد حكم النازيين لها فضاعات مروعة. كُتب لمنطقة الشرق الأقصى أن تغدو نشطة بالفطرة إلى يومنا هذا، وإلى القادم من الأيام، فالعصر المقبل هو عصر آسيا، ولا أدل على ذلك إلا توجيه الغرب وواشنطن تحديداً دفتهم نحو المحيط الهادئ حيث منطقة المصالح الاستراتيجية والأسواق المزدهرة والممرات المائية الحيوية، خلق ذلك نوعاً من التنافس المحموم تزامن مع صعود كوريا الجنوبية والصين تحديداً وتعاظم قوتهما في ميدان السباق الاقتصادي والعسكري، وتراجع اليابان التي تداعبها ذكريات ما قبل الحرب حيث أخضعت تلك الدول تحت حكمها، لذا فإن استحضار اليابان اليوم لماضيها جزءٌ مهم تريد من خلاله تذكير العالم أنها لاتزال هنا. أسهمت اليابان في حالة الازدهار التي اجتاحت الشرق الآسيوي وتبوئها المرتبة الثانية في الاقتصاد العالمي قبل أن تزيحها الصين، إلا أنها لم تستطع قيادة المنطقة فعلياً على المستوى السياسي بالرغم من إرثها الاستعماري والثقافي هناك. يحدث العكس تماماً بالنسبة لألمانيا التي استطاعت العودة إلى قيادة أوروبا من البوابة الاقتصادية والعسكرية أيضاً، بل إن الثقل الأوروبي اليوم مركزه ألمانيا، فبرلين تجاوزت استسلامها، وهو أمر صعب بالنسبة لليابان ثقافياً، كما أن ظروف القارة الأوروبية مختلف فهي قارة عجوز، والتنافس فيها ضعيف، والتفاوت بين دولها كبير، لكن ريادة ألمانيا الصناعية اليوم عالمية وتتعدى حدود أوروبا. تدير اليابان وألمانيا ذكرياتهما بشكل مختلف، فالأولى حريصة على إظهار الأسف على المعاناة التي جلبتها لبعض الدول مع زيارة ضريح «ياساكوني» المثير للجدل، بينما تصور الأخرى نفسها بأنها ضحية، وفي نفس الوقت لا يمكنها أن تدير ظهرها عمّا ارتكبه النازيون.

مشاركة :