لطالما كان النظام والانضباط مثار إعجابنا عندما تسوقنا إما رحلات العمل أو السياحة أو التعلم إلى الدول الغربية، فنعود مشدوهين بما رأيناه من احترام لهذا النظام ونجد أنفسنا في تلك الدول سائرين على أقدامنا أو مستقلين مركباتنا منضبطين حد التشنج أكثر من مواطني ذلك البلد، بل ولطيفين نجيد الحديث بهدوء، وتعلو محيانا الابتسامة، وفور عودتنا إلى بلدنا، يخرج المواطن الفوضوي الذي بداخلنا، فنبدأ إما بتجاهل النظام أو خرقه. فلماذا يحدث هذا التحول؟ الواقع أن الدولة عندما تذهب إلى سن القوانين تحاول من جهة ضبط العمل، والتحكم في جودته، ومن جهة أخرى تتأكد من مدى إتقانه وتسهيله لحياة الناس، وليس التضييق عليهم، لكن ذلك وحده غير كاف في تحقيق الأهداف السابقة، فعلى الرغم من وجود أنظمة محكمة في صياغتها وكتابتها ودقتها وعقوباتها إلى أننا في بعض الأحيان نصطدم بحواجز إما أن تحول دون المضي قدماً في تنفيذ تلك القوانين أو الأنظمة أو خرقها عمداً وهنا تقع المشكلة. ونرى أن ثقافة المجتمع هي ما يدفعنا لتنفيذ النظام وأن سن الأنظمة مهما بلغت شدتها لا يعني بالضرورة الامتثال لتلك القوانين، فعلى سبيل المثال تعمل وزارة الداخلية بسن أنظمة مرورية صارمة لضبط قائدي المركبات المتهورين الذين حولوا الشوارع إلى حلبات سباق غير عابئين بما يمكن أن يخلفه تهور سائق ضرب بأنظمة السير عرض الحائط فتسبب في ترمُّل سيدة وتيتُّم أطفال. والاحصائيات تقول إن حوالي 35 شخصاً يتوفون يومياً بسبب حوادث المرور، ورغم ذلك لا نزال نرى التهور في شوارعنا، الواقع أن المجتمعات التي نراها في الخارج لا ترحم ولا تسمح أن يتم امتهان النظام لأنها تدرك أن هذا النظام هو من أوصلها لتغدو في المقدمة وليست الفوضى والفذلكة، أمام ذلك يجدر بنا أن نعمل على تعزيز ثقافة حب النظام ليصبح تنفيذه سهلاً وأمراً مفروغاً منه ويغدو جزءاً من ثقافتنا، ويبدأ ذلك في المدرسة والبيت، ولا نعجب أن نرى أطفالاً في الخارج قد انتظموا خلف معلمهم أو معلمتهم كأفراخ البط لا يحيدون قدر أنملة عن الصف فتجدهم يقطعون الشارع ويقفون لشراء حاجتهم من المتاجر بانتظام، بينما استغرب أن فوضى "المقصف" لا تزال تضرب أطنابها في مدارس أطفالنا ثم نتساءل لماذا نحن فوضويون؟! الأهم من ذلك أننا بحاجة لتنفيذ العقوبات التي يسنها النظام أو تغليظها إن لزم الأمر، لنجبر على الالتزام بالنظام، ولنا في "ساهر" دليل على الانضباط فأصبحنا نراقب ونشك في أي سيارة تكون واقفة على جانب الطريق خشية أن يكشط "الفلاش" في وجوهنا، لكن فور تجاوزها بأمان نعود سيرتنا مسرعين ومتهورين، ألم نقل أن احترام النظام ثقافة.
مشاركة :