ينتابى وأعتقد كثيرين من المهتمين بالشأن الأفريقى عامة والاثيوبى خاصة,ومن عاشوا فى اثيوبيا "هذا البلد الأفريقى العريق"مشاعر متأججة من الحزن البالغ والتأثر الشديد لما يحدث من معارك طاحنة بين الجيش الاثيوبى الاتحادى وبين قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى ,والتى يدأت منذ حوالى أسبوعين ...وهى فى تصورى ليست فقط حرب أهلية توقع عشرات ان لم يكن مئات من القتلى والآف الجرحى بخلاف النازحين والمهاجرين ,وتدمير كل مايطول أيدى المتحاربين من منشآت وأبنية وقواعد عسكرية ومدنية ومطارات وموانىء وغيرها,ولكنها حرب شعواء ومدمرة من شأنها أن تحرق الأخضر واليابس وتفتك بأمن وسلام هذا الشعب المسالم ,والذى رغم أنه لم يذوق الديمقراطية بشكلها المعروف الا ضئيلا ان لم يكن مطلقا ,لكنه شعب عريق ومثقف رغم فقره الشديد وصاحب حضارة مماثلة للحضارة الفرعونية فى القدم والأصالة وفى الفنون والعمارة والآداب وكافة مجالات الابداع. ولعل مايزيد من حزنى وهمومى اننى عشت فى هذا البلد الآمن قرابة 6 سنوات,ولقد زرت اقليم "تيجراى"ضمن مناطق عديدة فى هذا البلد وخاصة فى عاصمته"مدينة مكيللى",وأعرف جيدا قوة وعراقة هذا الاقليم وحتى ان عددا ليس قليلا من أبنائه يعرف اللغة العربية ولديه جذور لثقافتنا وتقاليدنا, وهو يحوى أيضا أقدم جامع فى أفريقيا ولقد شرفت بزيارته وهو به مزارات لبعض الصحابة,وهو يجاور أحد الأديرة الأثرية فى الاقليم فى تلاقى فريد يعبر عن الوحدة الوطنية فى هذا البلد ذو التعددية الفريددة والمتنوعة, كما يتضمن الاقليم عديدا من المتاحف والمزارات والنصب التذكارية والاماكن الأثرية والتاريخية ,ولعل أهمها المتحف الوطنى الذى يتضمن قصة كفاح"الجبهة الشعبية لتيجراى" وزعيمها التاريخى السابق"ميليس زيناوى"والذى أبلى بلاءا حسنا فى مواجهة نظام الدرج الشيوعى بقيادة"منجستو هيلاماريام" قرابة 15 عاما حتى تم اقصاءه عام 1991,وكانت هذه القوات والتى دخلت "أديس أبابا"وقتها هى الدرع الحصين لأمن الدولة لفترة طويلة ,ولقد قاد "ميليس" البلاد حتى رحيله فى ربيع 2012 وتولى بعده"ديسالين هيلاماريام" حتى قدوم "آبى أحمد" فى أبريل 2018...حيث بدأت الكفة تميل لصالح "جبهة الأورومو"ويساعدهم فى ذلك "الأمهرة"أصحاب التاريخ الأكبر فى الحكم وتولى مقاليد السلطة والثروة,ويبدو ان الوقت قد حان لاقتلاع مصدر قوة التيجراى وهى قوتهم المقاتلة وعدادهم العسكرى والذى يعد بلاشك مناؤا للقوات الحكومية ويمثل تهديدا لها فى بسط نفوذها على الأقاليم التسعة فى شتى ربوع الدولة. تصاعد بؤر التوتر فى الحرب الأهلية:سيطر الجيش الإثيوبي على بلدة في إقليم تيجراي، شمالي البلاد، واتهمت قوة المهام الطارئة الحكومية، القادة المحليين في تيجراي بأخذ 10 آلاف سجين من المدينة أثناء فرارهم.كما أطلقت قوات تيجراي صواريخ على إريتريا المجاورة، مما أدى إلى تصعيد الصراع المستمر منذ 13 يوما، والذي أسفر عن مقتل المئات من الجانبين، ويهدد بلاشك بزعزعة استقرار أجزاء أخرى من إثيوبيا والقرن الأفريقي. ولم يصدر تعليق فوري من زعماء تيجراي على الأحداث في بلدة "ألاماتا" وهي بلدة قريبة من الحدود مع إقليم أمهرة، على بعد 120 كيلومترا من ميكيلي عاصمة تيجراي.لكن ندد الدبلوماسي المعني بشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية الأميركية، تيبور ناجي، بالهجمات التي شنتها قوات تيجراي على إريتريا، واصفا إياها بأنها «محاولة لتدويل الصراع» في تيجراي. من جهته، اتهم زعيم إقليم تيجراي دبراصيون جبراميكائيل، إريتريا بإرسال دبابات وآلاف من القوات إلى منطقته لدعم هجوم الحكومة الإثيوبية.وقال وزير الخارجية الإريتري عثمان صالح محمد إن بلاده ليست طرفا في الصراع. كان رئيس الوزراء أبي أحمد قد بدأ الحملة في تيجراي في الرابع من نوفمبر، وذلك بعد اتهام القوات المحلية بمهاجمة القوات الاتحادية المتمركزة في الإقليم الشمالي، المتاخم لإريتريا والسودان والذي يسكنه نحو خمسة ملايين شخص.وامتد القتال إلى إقليم مهرة، الذي تقاتل قواته المحلية مع القوات الاتحادية في تيجراي. ولقد أطلقت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي صواريخ على مطارين في أمهرة، معللة ذلك بأنه انتقام من الضربات الجوية الحكومية.وتقول الحكومة إن الضربات تهدف إلى تدمير المعدات التي تسيطر عليها قوات تيجراي.بينما قالت الأمم المتحدة إن 20 ألف إثيوبي على الأقل، فروا من الصراع الدائر إلى السودان. مخاطر الحرب الأهلية فى اثيوبيا:ولعل القلق ينبع من أن اثيوبيا هى متحف القوميات فى أفريقيا حيث تتضمن قرابة 80 قومية متنوعة فى اللغة والدين والانتماء الاثنى ,ولذا فان الحرب الأهلية من شأنها أن تفتح الباب أمام الاخلال بالدستور الفيدرالى الموقع منذ عام 1994,والذى بدأ العمل به منذ عام 1995...كما أن الحرب والاقتتال بين أهم وأقوى الأقاليم الاثيوبية فى كل من:"أمهرة,وتيجراى والأورومو"كفيل بتفكيك أركان الدولة "والتى تحتضن أكثر من 100 مليون مواطن "وتشتيت أبناء هذه الأقاليم والذى بدأ فعلا بنزوح أبناءاقليم التيجراى هربا من القتال الدائر.كما أنه من شأنه نقل العدوى لباقى دول الجوار خاصة "اريتريا والسودان"وكذا باقى دول القرن الأفريقى ودول حوص نهر النيل صاحبة التعددية البالغة فى كافة مناحى الحياة,وهو ما يمهد للخلاف على السلطة والثروة فى هذه الدول,فعدم الاستقرار السياسى والأمنى فى دولة محورية وهامة مثل:اثيوبيا ,والتى هى مقر أيضا للاتحاد الأفريقى واللجنة الاقتصادية التابعة للأمم المتحدة,والعديد من المؤسسات الدولية والاقليمية ,وتعد عاصمتها "أديس أبابا "والتى تلقب بالزهرة الجميلة أهم مراكز المؤتمرات فى القارة -ليس فى مصلحة أى طرف فى قارة مليئة بالمشكلات والنزاعات والأويئة وموجات التطرف والارهاب...وحتى فى مفاوضات سد النهضة الثلاثية بوساطة أفريقية ودولية,وحيث أن الحرب الأهلية والنزاع الداخلى قد يدفع الحكومة الاتحادية لمزيد من التشدد,وذلك فى مواجهة رأى عام محلى محتقن...وحيث أن التشدد هو قائم بالفعل فى تلك المفاوضات الدائرة منذ قرابة عقد من الزمان. والحل فى تصورى يجب أن ينبع أولا من حكماء هذا البلد وقادة الرأى فيه وكيفية خلق وسيلة لتسليم الأسلحة من قبل مقاتلى التيجراى مقابل اعطاءهم الأمان كما حدث فى العديد من الدول والحالات السابقة ...كذا ينبع الحل من دول الجوار والمنظمات العاملة فيه "على غرار مبادرة الرئيس الأوغندى الحالية "يورى موسيفينى "ودعوته للحوار بين المتقاتلين ..وكذا من مفوضية الاتحاد الأفريقى"التى تستضيفها اثيوبيا"ودولة جنوب أفريقيا "الرئيس الحالى للاتحاد الأفريقى" ,والمبادرات الاقليمية ذات الصلة ...والمعروف أن مصر لاتتدخل فى الشؤون الداخلية لأية دولة وتدعو دائما للأمن والسلام فى ربوع العالم,وسبق لها التقدم بمبادرة لحل النزاع الاثيوبى-الاريترى . ومن المهم البعد عن الأطراف المغرضة –على النمط التركى-والدول صاحبة المصلحة فى تأجيج النزاع وتدويله ومد نفوذها وتدخلها فى شؤون ومصالح أبناء القارة الأفريقية"أيا كانت تلك القوى". ومن المفترض أن يثبت الرئيس الاثيوبى "آبى أحمد" استحقاقه لجائزة "نوبل للسلام"والتى حظى بها فى العام الماضى.
مشاركة :