حقيقة أنا حزين على ما آلت إليه العلاقات بين إثيوبيا ودول الجوار الآن وبالأخص مع مصر ,خاصة وأن تلك العلاقات كان لها أبعاد ثنائية وإقليمية ومائية وكنسية عديدة ناهيك عن مجال الاستثمار والتجارة ,ومجالات التدريب والتعاون الفني والتكنولوجي وغيره...ولعل مسار العلاقات مع إثيوبيا لقد تأثر بفعل ثلاثة أسباب رئيسية أولها وأهمها بلا شك هو التعنت الإثيوبي في مفاوضات سد النهضة و الموقف الذى أعلنته إثيوبيا وعبر عنه أكثر من مسؤول إثيوبي بشأن المضي أو الاتجاه نحو الملء الثاني لخزان سد النهضة بدون اتفاق مع دولتي المصب “مصر والسودان "ودونما النظر لنتائج المفاوضات الثلاثية بين الدول الثلاث “مصر وإثيوبيا والسودان " والتي بالفعل قد توقفت منذ يناير الماضي..وهو ما يؤكد صحة التقارير التي تفيد بتسييس القضية..وتوجيه السياسة الاثيوبية وتجنيد أجهزتها وحتى عبر البث الإعلامي والصحفي المحموم وتصعيد القضية بوجه مخالف للواقع والحقيقة ,ويتم ذلك أحيانا على منصات التواصل الاجتماعي أيضا بشكل مكثف للالتفاف على القضية الاصلية وعدم مراعاة حجم الضرر الذى قد يصيب السودان ومصر من جراء هذا الملأ بدون اتفاق ودون النظر لأى اتفاقيات قانونية أو حقوق تاريخية مكتسبة وعدم تكليف السياسيين الإثيوبيين أنفسهم بمراعاة الأعراف الدبلوماسية واحترام الآخر ..لكن فقط يتم من جانبهم فرض سياسة الأمر الواقع والتجاوز غير المحدود وهو ما يجعلنا على قناعة بأن الهدف من بناء هذا السد سياسي وليس تنموي أو بهدف توليد الكهرباء أو غيرها من المبررات. أيضا يتمثل السبب الثاني في توتر العلاقات الاثيوبية السودانية بشكل غير مسبوق لعوامل تتعلق بخشية السودان من تأثير الملأ الثاني لسد النهضة على السدود السودانية وعلى سلامة مواطنيها وأراضيها كما حدث في فيضانات العام الماضي ,كذا نجد تصاعد موضوع الحدود المتوتر في منطقة "القفشة "وهى المنطقة المجاورة لسد النهضة,وهى أراض سودانية بالأصل وفق الاتفاقيات القانونية..والتي تم دخولها من جانب القوات السودانية والتي حققت تقدما كبيرا ,لكن أصبح الأمر مثار نزاع وتوتر ووصل الأمر لدرجة تدخل الاتحاد الأفريقي والقوى الدولية الكبرى لمحاولة الوساطة وإيجاد حل لهذا النزاع ...يضاف لذلك توتر العلاقات الحالية بين اثيوبيا والكونغو الديمقراطية والتي آلت اليها رئاسة الاتحاد الأفريقي لهذا العام...ناهيك عن علاقات غير مستقرة وممتدة أيضا الى :جنوب السودان واريتريا نفسها المتورطة "عبر جنودها"فى انتهاكات حقوق الإنسان بإقليم تيجراى وغيرها من دول القرن الأفريقي وحوض النيل: كالصومال وكينيا وغيرهما. أما السبب الثالث والمؤثر على تزايد مشاعر الحزن على إثيوبيا هو بالطبع انتهاكات حقوق الانسان في إقليم تيجراى ,والمذابح الجماعية في أرجاء عديدة من الإقليم لدرجة أن شبكة "سى ان ان" الإخبارية الأمريكية قد بثت تقريرا مريعا في الأول من مارس عن انتهاكات عديدة حدثت في مدينة “أكسوم التاريخية الدينية" ولعل هذا كان مبررا لإدانة مثل هذه الممارسات من الخارجية الأمريكية والتي أصدرت بيانا صدر في آخر فبراير تحدث عن أن أمريكا تعرب عن بالغ قلقها إزاء فظائع الجيش الإثيوبي ضد تيجراى . وقال بيان الخارجية الأمريكية: "تشعر الولايات المتحدة بقلق بالغ إزاء الفظائع المبلغ عنها والوضع العام المتدهور في منطقة تيجراي في إثيوبيا. ندين بشدة عمليات القتل والتهجير والتهجير القسري والاعتداءات الجنسية وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والانتهاكات التي ارتكبتها عدة أطراف والتي أبلغت عنها منظمات متعددة في تيجراي, كما نشعر بقلق عميق إزاء تفاقم الأزمة الإنسانية. لقد تواصلت الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا مع الحكومة الإثيوبية بشأن أهمية إنهاء العنف، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى تيجراي، والسماح بإجراء تحقيق دولي كامل ومستقل في جميع التقارير المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات والفظائع والتي يجب محاسبة المسؤولين عنها". ولقد طلبت واشنطن من الشركاء الدوليين، وخاصة الاتحاد الأفريقي والشركاء الإقليميين، العمل معنا لمعالجة الأزمة في تيجراي، بما في ذلك من خلال العمل في الأمم المتحدة والهيئات الأخرى ذات الصلة ويبدو أن هذا الموقف من جانب الولايات المتحدة ومثيله من الاتحاد الأوروبي ومنظمات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وغيرها والذى سبقه أيضا بعض العقوبات الاقتصادية الأمريكية خاصة بشأن المساعدات .وهو الأمر الذى دفع المسئولين الإثيوبيين لإعلان استعداد بلادهم للتحقيق في الانتهاكات التي حدثت استعدادا لمحاسبة المتورطين فيها..ونفيهم أن الحكومة الاثيوبية كانت على علم بمثل هذه الانتهاكات. رؤية مستقبلية: لاشك أن سياسة مصر والرئيس السيسي في مواجهة قضية سد النهضة وادارة العلاقات مع اثيوبيا تمضى بحكمة وبحرص وهدوء شديدين ولاشك أنها ستؤتى بثمارها قريبا ...وتحرص مصر أيضا على المواجهة من خلال ضرورة ترسيخ الاهتمام بالقضية والتأكيد على البعد الدولي لحلها بالتنسيق مع السودان بحيث تمضى الدولتان كموقف موحد وليس موقفان مختلفان الأمر الذى يزيد الضغوط على الجانب الإثيوبي والذى يأن بالفعل من مشكلات :محلية واقليمية عديدة جراء ممارساته الخاطئة ..ولعل التقارب المصري السوداني الأخير يمضى بشكل ملحوظ ,وتأتى زيارة الرئيس السيسي السبت القادم للخرطوم على رأس وفد رفيع المستوى في نفس الاتجاه. أيضا يجب كسب ود الأفارقة واستمالتهم لوجهة نظرنا وخلق رأى عام إفريقي موالى لنا..ويساعد على ذلك أيضا علاقات الود والصداقة التي تربط الكونغو الديمقراطية"الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي مع مصر"والعلاقات الشخصية القوية بين الرئيسين:السيسى ورئيس الكونغو: Félix Antoine Tshisekedi يجب أيضا استغلال الأوراق التي في يدنا كالكنيسة القبطية التي مازالت تربطها روابط روحية مع الاثيوبيين,وينتظر منها دور حيوي ومؤثر , وكذا استمرار تشجيع القطاع الخاص والمستثمرين وغيرهم من رجال الأعمال وتقديمهم مزايا وفرص توظيفية للإثيوبيين ..فضلا عن زيادة المنح وفرص التدريب المقدمة للجانب الإثيوبي, الأمر الذى يؤثر على مستقبل العلاقات معهم ويصب في صالحنا بجانب ضرورة زرع الثقة وإعطاء المزيد من الاهتمام بالجالية الإثيوبية في مصر وبكل الأفارقة ..الخ وحسن معاملتهم في المطارات والموانئ المصرية. يتبقى نقطة هامة وهى محاولة وقف البلبلة التي تصدرها بعض منصات التواصل الاجتماعي الاثيوبية الناطقة باللغة العربية وهى مليئة بالمغالطات والمبالغات...والرد يتمثل في تدشين منصات مصرية لمواطنين مصريين أو لمراكز بحوث وهيئات اعلامية أو مؤسسات صحفية تكون ناطقة باللغتين :الأمهرية والانجليزية بحيث تشرح الحقائق وتنشر ما من شأنه أن يقرب ولايفرق وتركز على الايجابيات في دعم العلاقة بين البلدين والشعبين...وتتم معاملة الاثيوبيين كإخوة لنا رغم أنهم لديهم صفات وسيكولوجية مختلفة. فهم يفضلون التعامل معهم من أعلى الشخصيات وأرفع المناصب..كما أنهم لا يثقوا كثيرا في الآخرين ويميلون الى المبالغات في أحاديثهم وأقوالهم..
مشاركة :