خطرت على بال القلم مسائل عجيبة، بعضها علميّ، وبعضها الآخر منهجيّ. مثل هذه الأسئلة لا يجول في خيال العقلاء التقليديين، لأن طرحها يشكّك في سلامة مدارك طارحها، فيوصف بالجنون، ويوصم بالخور. قوم إنّا وجدنا آباءنا يقبلون منك كل شيء، إلاّ أن تحرّك ساكناً، أو أن تفكّر في تغيير مألوف معروف. قل للناس: ثمة أشجار تنبت في الهواء بلا بذور ولا جذور، تولد قائمة وتموت واقفة، ولها أوراق وبراعم وثمار. وثمة مبانٍ من حجارة وإسمنت مسلّح، يبدأ الأساس فيها فوق سطح الأرض بمتر، فإن كذّبوك فقل: يمسكها ما يمسك الطائرات في الجوّ. كن مطمئناً، فلا أحد سيراجع قوانين الفيزياء. الناس يصدّقون أن السّبب والعلّة والأصل والأساس، لا حاجة إليها. تنشأ الظاهرات من نفسها بنفسها، من دون منشأ أو مردّ أو مرجع. وعقولنا المتطوّرة منذ أمد بعيد لا تجد أيّ صعوبة في فهم حدوث الأشياء التي لا تقبلها أمم العالم وشعوبه. إلاّ نحن الذين ندرك ما لا يدرك، ونبرّر ما لا يبرّر، ونمنطق ما لا يُمنطق، ونمنهج ما لا يُمنهج. كعكة قبول الاستحماق هذه نرصّعها بكرزة الأدب والانصياع ودماثة الأخلاق ودفع ثمن المجموع عداً ونقداً. خذ مثلاً: أليس من تلك الخوارق، أن تصدّق نشر الحريّة وبسط الديمقراطيّة عن طريق تدمير بلد؟ ثم أليس من النبوغ الفريد أن تظل مصدّقاً بينما تتكرر الصورة مثنى وثلاث ورباع؟ ألم ينجزوا ذلك بمعادلة غرائبيّة: الفوضى الخلّاقة؟ لم يسأل عباقرتنا عن سرّ حظوتنا بالمكارم من دون سائر خلائق العالم الثالث؟حرمونا العدل، وخصّونا بالظلم. لكن الظروف الكارثية لا تخلو من مفاجأة فهم، تكون بمثابة مكعب جزر بعد مئة عصا. قبل الربيع القاحل الماحل قال شمعون بيريز عن الشرق الأوسط الجديد: منّا العقول ومنكم المال واليد العاملة. آنذاك فهمنا فهم العوام، الآن فهم الخواصّ، بل مثل عنوان كتاب أبي منصور الثعالبي: خاص الخاص. أدركنا ما في المعنى من قرار سحيق. كان يعني أن عقولهم ستصنع الشرق الأوسط الجديد، بجعل بعض الشباب العربيّ يفتّت لهم البلدان من دون أن يدفعوا فلساً. لزوم ما يلزم: النتيجة الموسيقيّة: بيريز قال أيضاً منّا التأليف الموسيقيّ، ومنكم الأداء، كأنه يبحث عن جوقة مزامير. abuzzabaed@gmail.com
مشاركة :