بيروت - بدا تأثير الولايات المتحدة جليا على تشكيل الحكومة اللبنانية، بعد خفوت نسبي للتأثير الفرنسي، إذ عزا محللون لبنانيون أسباب تعثر التشكيل إلى انتظار التنصيب الرسمي للرئيس الاميركي الديمقراطي جو بايدن، فيما يبدو أن واشنطن تضغط من أجل ضمان حكومة لبنانية لا تمثيل لحزب الله فيها.وتدخل مشاورات تشكيل الحكومة اللبنانية أسبوعها السابع دون حراك أو بادرة تفاؤل، ليستقر بها الحال على رصيف محطة الجمود الذي مرت عليه الحكومة السالفة، فيما يحتاج لبنان أكثر من أي وقت مضى لحكومة عاجلة تعمل على إخراج البلاد من عمق أسوأ أزمة اقتصادية لم يشهدها اللبنانيون منذ الحرب الأهلية (1975-1990).وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي كلّف الرئيس اللبناني ميشال عون سعد الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة، عقب اعتذار سلفه مصطفى أديب لتعثر مهمته في تشكيلها بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب الماضي.وبين مؤثرات خارجية وتعقيدات داخلية تقف 3 أسباب رئيسية وراء ضبابية تشكيل الحكومة اللبنانية المتعثرة والتي يأمل اللبنانيون أن تتخلص من ردائها الطائفي الممزق، وفق مراقبين.كما بات التيار الوطني الحرّ (بزعامة الوزير السابق جبران باسيل) و"حزب الله" الموالي لإيران، كلمتا السر في تعثر تشكيل الحكومة، جراء تمسكهما بالاستحواذ على حقائب وزارية.ويسود لبنان حالة من الترقب بشأن الموقف الأميركي من نفوذ حزب الله بعد تغير الإدارة الأميركية بقدوم بايدن، فيما يبدو أن واشنطن في ظل أحدث المستجدات التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة، لن تغير سياستها تجاه الجماعة الشيعية المصنفة لدى الغرب جماعة إرهابية بجناحيها السياسي والعسكري، ما يرجح بقوة استمرار نظام فرض العقوبات على حزب الله.سلاح العقوباتقال محمد نصرالله النائب عن كتلة حركة أمل (بزعامة رئيس المجلس النيابي نبيه بري) حليف حزب الله، إن الولايات المتحدة تفرض شروطا وإملاءات على تشكيل الحكومة اللبنانية.وأوضح النائب "العقوبات الأميركيّة التي فُرضت مؤخرا على قيادات لبنانية تسعى من خلالها واشنطن إلى فرض إرادتها على القرار السيادي في لبنان".ويرى مراقبون أن حزب الله المصنف من قبل دول غربية وخليجية ضمن التنظيمات الإرهابية، يقف حجر عثرة أمام تقديم الدعم المالي لمساعدة لبنان، حيث يشترط المجتمع الدولي حكومة لبنانية مستقلة غير خاضعة للمحاصصة الحزبية والطائفية ونفوذ الجماعة الشيعية.بدوره لم يستبعد المحلّل السياسي اللبناني جوني منيّر انتظار الحكومة تنصيب المرشح الديمقراطي جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة، حتى تحسم تشكيلها الذي طال انتظاره.وفي 6 نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، فرضت واشنطن عقوبات على صهر الرئيس اللبناني وزير الخارجية السابق جبران باسيل، بدعوى "تورطه في الفساد وعلاقات مع حزب الله، حليف إيران والنظام السوري".كما فرضت واشنطن في سبتمبر/أيلول الماضي عقوبات على الوزيرين السابقين، علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، بتهمة دعم "حزب الله والضلوع في فساد".عقدة باسيلمن جانبه اعتبر فيصل الصايغ النائب عن كتلة الحزب التقدمي الاشتراكي (بزعامة وليد جنبلاط)، أن التعقيدات الداخلية ساهمت أيضا بقوة في تعثر تشكيل الحكومة اللبنانية.وقال الصايغ "العقدة الأساسيّة تكمن في التيار الوطني الحرّ، لإصراره على التمسك بحقائب وزارية بعينها كالدفاع، والعدل والداخليّة".واتساقا مع الرأي السابق أوضح مصطفى علوش نائب رئيس تيار المستقبل (بزعامة الحريري)، أنّ التيار "الوطني الحرّ" يقف وراء تعثر تشكيل الحكومة الجديدة.وأضاف علوش "يسعى التيار الوطني الحرّ إلى تشكيل حكومة سياسية من خلال تمثيل جميع القوى والطوائف، فيما يرغب الحريري في تشكيل حكومة مؤلفة من اختصاصيين.في المقابل أوضح إدي معلوف النائب عن التيار الوطني الحرّ، أن تياره لا يعرقل تشكيل الحكومة بقدر ما يطالب بتوحيد معايير تسمية الوزراء.وتعكرت العلاقة بين باسيل والحريري بعد استقالة الأخير من رئاسة الحكومة إثر احتجاجات 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، بعدما كانوا حلفاء في الانتخابات النيابية الأخيرة عام 2018.ويذهب محللون إلى أن تسك حزب الله وحليفته حركة أمل بحقائب وزارية بعينها وأبرزها وزارة المالية هو أساس الخلاف والسبب الرئيسي في فشل تشكيل الحومة في لبنان، فيما تسعى الجماعة الشيعية وحلفائها للظفر بوزارة المالية لاستغلالها كعادتها في تمويل أجنداتها واستغلالها كأداة لوصول تمويلاتها الخارجية.عون والحريريوفق ما يراه المحلّل السياسي جوني منيّر، فإن معوقات تعثر تشكيل الحكومة اللبنانية يتجاوز الساحة الداخلية ليمتد إلى التأثيرات الخارجية.وقال منيّر "المبادرة الفرنسيّة التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون تدعم بقوة سعد الحريري، بينما يرفض التسليم بها الرئيس اللبناني ميشال عون وصهره جبران باسيل".من جانبه كشف مصدر سياسي مطلع أنّ "أسباب اعتراض الرئيس اللبناني تتعلق بتسمية الوزراء وليس عدد الحقائب الوزارية".وقال المصدر مفضلا عدم ذكر اسمه، إن "الحريري يرغب في تسمية جميع الوزراء باستثناء اثنين من المسيحيين ترك تحديد أسمائهما للرئيس عون".وفي أغسطس/آب الماضي أطلق ماكرون مبادرة بلهجة "تحذير" بتشكيل حكومة لبنانية من اختصاصيين، لإجراء إصلاحات إدارية ومصرفية في البلاد.معضلة حزب اللهبدوره اتفق مع الرأي السابق الكاتب السياسي المقرّب من حزب الله قاسم قصير، أنّ "الخلافات الداخليّة على الحصص الوزارية بين عون والحريري هي سبب تأجيل تشكيل الحكومة".وأضاف قصير "لا شكّ أيضا أنّ هناك تهديدات أميركية بتوقيع عقوبات حال حصول حزب الله على حقائب وزارية".وتابع "حزب الله وحركة أمل (الثنائي الشيعي) يحاولان الوصول إلى تفاهمات بشأن تسهيل عمليّة تشكيل الحكومة، لكن هذا لا يعني أن يخفت دورهما نهائيا في هذا الملف".وهذه المرة الرابعة للحريري على رأس الحكومة، إذ تولى الأولى في 2009 والثانية عام 2016، قبل أن تنهار حكومته الثالثة في أكتوبر/تشرين أول 2019 تحت ضغوط احتجاجات شعبية، ليخلفه حسان دياب الذي قدم استقالته عقب 10 أيام على انفجار مرفأ بيروت.
مشاركة :