واشنطن - أرخت التطورات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط بظلالها على المحادثات التي يجريها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع الرئيس الأميركي جو بايدن وكبار المسؤولين الأميركيين. وهيمن الهجوم الإيراني على إسرائيل وتداعياته وخطر انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة على النقاشات التي كان يفترض أن تركز على ضبط العلاقات الأميركية العراقية ومن بينها الوجود العسكري الأميركي. وأعلن السوداني الاثنين، أن بلاده تعمل على الانتقال "من العلاقة العسكرية إلى الشراكة الكاملة" مع الولايات المتحدة، فيما يرخي الوجود العسكري الأميركي في العراق بظلال ثقيلة على العلاقة بين البلدين في ظل مشهد شديد التعقيد في الساحة العراقية التي تشهد تجاذبات خطيرة بين إيران ووكلائها العراقيين من جهة وواشنطن من جهة ثانية. ويتعرض السوداني لضغوط من القوى الشيعية وأجنحتها العسكرية الموالية لإيران لانهاء الوجود الأميركي، بينما ترتبط واشنطن وعراق ما بعد 2003 بعلاقات شراكة أمنية وعسكرية. وجاء تصريحات السوداني في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الأميركي جو بايدن عقب لقاء بينهما بالبيت الأبيض في العاصمة واشنطن. وقال رئيس الوزراء العراقي، إن العلاقات الأميركية العراقية "وصلت لمنعطف مهم"، لافتا إلى أن بلاده "تعمل على الانتقال من العلاقة العسكرية إلى الشراكة الكاملة مع الولايات المتحدة"، حسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع). وتابع "سنناقش مع المسؤولين الأميركيين خلال الزيارة، الشراكة المستدامة على أساس اتفاقية الإطار الاستراتيجي"، مؤكدا "التزام الحكومة بمخرجات اللجنة التنسيقية العليا بين العراق والولايات المتحدة". وقال "حكومتي جادة في تنفيذ هذه الاتفاقية ووجودي في واشنطن يحمل الرغبة بالنهوض بواقع العراق وتوفير الخدمات". وانطلقت في واشنطن، الاثنين، اجتماعات أعمال اللجنة التنسيقية العليا بين العراق والولايات المتحدة الخاصة بتفعيل "اتفاقية الإطار الاستراتيجي". وترأس وفد العراق في الاجتماعات نائب رئيس مجلس الوزراء وزير التخطيط محمد تميم، فيما ترأس الوفد الأميركي وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وفق "واع". و"اتفاقية الإطار الاستراتيجي" هي اتفاقية أمنية وقعت بين حكومة العراق والولايات المتحدة عام 2008، وتتضمن تحديد الأحكام والمتطلبات الرئيسية التي تنظم الوجود المؤقت للقوات العسكرية الأميركية في العراق وأنشطتها فيه وانسحابها من العراق. وبخصوص الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة للشهر السابع على التوالي، قال السوداني خلال المؤتمر الصحفي مع بايدن "نتفق على مبادئ القانون الدولي ونرفض أي اعتداء على المدنيين، خصوصًا الأطفال والنساء"، مضيفا "يهمنا كثيرا إيقاف الحرب المدمرة في غزة ونأمل من كل الأطراف المعنية الالتزام بضبط النفس". السوداني تطرق في تصريحاته كذلك إلى التوتر الحالي بين إسرائيل وإيران على خلفية اتهام طهران لتل أبيب بقصف بعثتها الدبلوماسية في العاصمة السورية دمشق مطلع أبريل/نيسان الجاري، وهو ما ردت عليه بإطلاق مئات الصواريخ والمسيرات باتجاه إسرائيل مساء السبت الماضي. وشدد رئيس الوزراء العراقي في هذا الصدد على "ضرورة وقف اتساع الصراع في المنطقة"، وحث الجميع على "الالتزام بالقوانين الدولية التي تنص على حماية البعثات الدبلوماسية". ويأتي ذلك بينما تصاعدت خلال الساعات الأخيرة الدعوات والاتصالات من قادة ومسؤولين بالمنطقة العربية وحول العالم، في محاولة لمنع التصعيد بعد الرد العسكري الإيراني على إسرائيل، وسط مخاوف من نشوب حرب إقليمية بالمنطقة. وبدأ السوداني زيارة رسمية غير معلنة المدة إلى واشنطن السبت الماضي. وتأتي الزيارة في توقيت هام حيث توترت العلاقات بين واشنطن وبغداد في السنوات الأخيرة جراء ما تعتبره الأولى "نفوذا متصاعدا لإيران" في هذا البلد العربي. وفي الأشهر الأخيرة، حثت الولايات المتحدة العراق على بذل المزيد من الجهد لمنع الهجمات على القواعد الأميركية في العراق وسوريا من قبل فصائل مسلحة عراقية تقول واشنطن إنها "موالية لطهران" والتي تصاعدت ردًا على الدعم الأمريكي للحرب الإسرائيلية الحالية على غزة. وبدأت الولايات المتحدة والعراق محادثات رسمية في يناير/كانون الثاني حول إنهاء التحالف الذي تم إنشاؤه لمساعدة الحكومة العراقية في محاربة تنظيم "داعش"، مع بقاء حوالي 2000 جندي أميركي في البلاد بموجب اتفاق مع بغداد. وجاء ذلك في ظل دعوات صدرت عن مسؤولين وسياسيين عراقيين لانسحاب تلك القوات، في ظل تصاعد من هجمات نفذتها واشنطن على فصائل مسلحة بالعراق. وأكّد الرئيس الأميركي جو بايدن الاثنين عزمه على تجنّب تمدّد النزاع في الشرق الأوسط إلى "أبعد مما هو عليه الآن"، مع الحرب في غزة والهجوم الذي شنته إيران على إسرائيل ردًا على استهداف قنصليتها في دمشق. وقال بايدن خلال لقائه السوداني في البيت الأبيض "شنت إيران هجوما جويا غير مسبوق على إسرائيل ونحن أطلقنا جهدًا عسكريًا غير مسبوق للدفاع عنها. دافعنا (عن إسرائيل) مع شركائنا". وأضاف "إن الولايات المتحدة ملتزمة بأمن إسرائيل. نحن ملتزمون التوصل إلى وقف لإطلاق النار يعيد الرهائن (لدى حماس منذ هجوم 7 أكتوبر) إلى منازلهم، ويمنع تمدد النزاع إلى أبعد مما هو عليه الآن". وأكّد بايدن الاثنين "التزامه بأمن طواقم وشركاء الولايات المتحدة في المنطقة بما في ذلك العراق". وكان من المتوقع أن تركز زيارة السوداني الأولى لواشنطن منذ توليه منصبه في أكتوبر/تشرين الأول 2022، على وجود القوات الأميركية في العراق كجزء من تحالف مناهض للجماعات الإسلامية المتطرفة. لكن الوضع المتوتر في المنطقة هيمن على الاجتماع بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل. وشاركت القوات الأميركية المتمركزة بالقرب من مدينة أربيل في شمال العراق في التصدي للهجوم باستخدام بطارية صواريخ باتريوت لإسقاط صاروخ بالستي إيراني. بدوره، أكّد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الاثنين في مستهلّ اجتماع مع نائب رئيس الوزراء العراقي محمد علي تميم على أن واشنطن "لا تريد تصعيدًا لكنها ستواصل الدفاع عن إسرائيل وحماية طواقمنا في المنطقة"، مضيفا "أعتقد أن نهاية الأسبوع أثبتت أن إسرائيل ليست مضطرة إلى الدفاع عن نفسها بمفردها حين تكون ضحية اعتداء". وأشار بلينكن الاثنين إلى نشاط دبلوماسي مكثف شهدته "الساعات الـ36 الماضية بهدف تنسيق رد دبلوماسي في محاولة لمنع التصعيد" في المنطقة، متحدثا بشكل خاص مع نظرائه في مصر والسعودية والأردن وتركيا وبريطانيا وألمانيا، بحسب الخارجية الأميركية، بينما أعرب نائب رئيس الوزراء العراقي عن "خشيته من انزلاق المنطقة بكاملها إلى نزاع أكثر اتساعًا يهدد الأمن الدولي".
مشاركة :