يعرف الاستثمار الاجتماعي بأنه الاستثمار الذي يوجه لرفع رفاهية الافراد في المجتمع وبما يحقق نفعا واسع النطاق، وليس بالضرورة أن يعود بالنفع على المستثمر نفسه، ويتضمن المساهمات العينية والنقدية كما يشمل العمل التطوعي مثل استثمار الوقت والمعرفة لتعليم الطلاب، ونقل المهارات، وإبراز الطاقات ، واحتضان الافكار الريادية، والنشاطات الابداعية، ويتضمن أيضًا توفير رأس المال الاجتماعي مثل توفير وقت الاستثمار والوجود الاجتماعي وبناء العلاقات لإنشاء شبكات الدعوة أو مجموعات العمل، فضلا عن قطاعات اخرى، لذا فإن الفرق الرئيسي بين الاستثمار الاجتماعي والاقتصادي هو أن الأول ينبغي أن يحقق عوائد مقصودة تتجاوز تلك التي تعود بالفائدة على المستثمر أو المانح، كما هو الحال في الاستثمار الاقتصادي، وأن كلا من الاستثمارات والعائدات المتوقعة من الاستثمار الاجتماعي تنطوي على أكثر المعاملات والتحويلات النقدية بل عليها أن توفر نفعًا حقيقيا للمجتمع ككل. وقد شهد الاستثمار الاجتماعي تطورات متلاحقة في عصرنا الراهن من حيث التنوع القطاعي والنمو الكمي ودوافع القيام بالاستثمار، ونمو العوائد الاجمالية، والاصول المحققة، فضلا عن تحوله من السمة الخيرية التطوعية إلى الالية المؤسساتية المنظّمة، بما يجعل الفائدة منه تعم اغلب فئات المجتمع، ويمتلك صفة وضع الحلول المقصودة وتحقيق الاستدامة. كما نما الاستثمار الاجتماعي مـــن حيث عمق الممارســـة وتعقيد القضايـــا التي يواجها المســـتثمرون ويخططـــون لمعالجتها أثنـــاء تقدمهم، ودوافعهم لتقديم رأس المال، وطبيعـــة التخصيصات الجغرافية. وقد اظهرت دراسة صادرة عن الشبكة العالمية للاستثمار الاجتماعي (GIIN) (وهي منظمة عالمية غير ربحية تستهدف زيادة حجم وفعالية الاستثمار الاجتماعي في جميع أنحاء العالم. من خلال دعم البنية التحتية الحيوية للسوق والأنشطة والتعليم والأبحاث التي تساعد على تسريع تطوير قطاع الاستثمار الاجتماعي) وقد تم ترجمة الدراسة إلى اللغة العربية من قبل شركة سبر المتخصصة في إجراء البحـــوث الميدانيـــة، وتصميم حلـــول الاعمال وبنـــاء القدرات. وكان عنوان الدراسة «الاستثمار الاجتماعي في العالم 2020»، اتضح منها تنـــوع صناعـــة الاستثمار الاجتماعي خلال السنوات (2010-2020) من حيــث المناطـق الجغرافية، وفئـة الاصـول والمنهـج المعتمد في الاستثمار، وتوجه قطاع الاستثمار الاجتماعي نحو اعتماد مجموعة متناســـقة من أطر قياس وإدارة الاثــر الاجتماعـي (IMM). وأظهرت الدراسة ايضا ان ســـوق الاستثمار الاجتماعي شهد نموا كبيرا من حيث العمـــق والتطور معـــا، بحيث ان ذلك النمو الذي شـــهده الســـوق على مدى الســـنوات العشر الماضية يعطي حافـــزًا للتفـــاؤل بأن مجتمع الاستثمار الاجتماعي العالمي الذي يقدر حجم استثماراته حتى اواخر عام 2019 بنحو (715) مليار دولار أمريكي، يمكن ان يسهم بشكل فاعل في بناء مستقبل أكثر شمولا ومرونة واستدامة، ويحقق انتعـــاشا من شـــأنه أن يحســـن وضـــع الكثير من المواطنين فـــي العالم. ويمكن أن يقـــود الطريق نحو نظام مالـــي جديد يحترم دور جميـــع أصحاب المصلحة بدءا مـــن العمال ووصولا إلى الكوكب بحد ذاته. ولعل أكثر ما يبشر بالخير هو أن الازمات المتزامنة التي شهدها العالم لم تمنع المستثمرين في هذا المجال من مواصلة عملهم، فقد ظهر من اســـتطلاع اجرته الشبكة العالمية للاستثمار الاجتماعي لعينة تضم (294) مستثمرا يديرون مجتمعيـــن نحو( 404) مليارات دولار أمريكـي مـــن أصول الاستثمار الاجتماعي حول العالم، أن معظم المســتثمرين لديهـــم نظرة إيجابية للمســتقبل، على الرغـــم من الرياح المعاكسـة الناجمة عن جائحة كورونا (كوفيد-19) حيـث قــال 57% من المســتثمرين من العينة إنه من غيــر المحتمــل أن يغيروا التزاماتهم الرأسمالية بسبب جائحة كورونا، وقال 15% إنهــم من المرجـح أن يلتزموا برأس مـــال إضافي. وتعد دوافـع المســـتثمرين الاجتماعيين من الاســباب الجذرية الكامنـة وراء تطور قطاع الاستثمار الاجتماعي، فمن غير المســتغرب أن الاســباب الثلاثــة الرئيســـية للقيـــام بالاستثمارات الاجتماعيـــة تتعلـــق جميعهـــا بالأثر المرغوب تحقيقه جراء الاستثمار كما ظهر من الاستطلاع، حيث عد 87% من العينة ان الاثر هو محور مهمتهم، وأن التزامهم كمســـتثمرين مســـؤولين هي دوافـــع مهمة جـــدا. كما يعتقـــد 81% من العينة أن الاستثمار الاجتماعـــي هـــو طريقـــة فعالة لتحقيـــق أهدافهم في إحـــداث الاثر المطلوب تحقيقه، ويرى 70% من العينة ان الجاذبية المالية للاستثمار الاجتماعي مقارنة باستراتيجيات الاستثمار الاخرى مهمة إلى حد ما على الاقل، فضلا عـــن حقيقــة أن 88% من العينة أبلغـــوا عن تلبيـة توقعاتهم الماليــة أو تجاوزهــا، وأن أكثـــر من ثلثي العينة 67% يسـعون إلى الحصول على عوائد مالية مـــن أصولهم قريبة من معــدلات عوائد السـوق، وهذا يعني ان الاستثمار الاجتماعي لا يفاضل بين الاثر والعائد المالي، بل يسعى لأحداث تكامل فيما بينهما. وأشارت الدراسة إلى ان السنوات العشر الماضية شهدت نموا كبيرا في اصول الاستثمار الاجتماعي وتحقيقها عوائد مالية كبيرة. وكانت مناطق الاستثمار الاسـرع نمـوا هي (أوروبا الغربية والشـمالية والجنوبيـة)، و(شـــرق وجنــوب شـرق آسيا)، والتي نمـــت بمعدل نمو ســـنوي مركــب تبلـغ نســبته 25% و23% علـى التوالي. فيما حلت منطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا بالمركز الرابع بمعدل نمو سنوي مركب قدره 19%. ووفقا للقطاعات التي تم الاستثمار الاجتماعي فيها، اشارت الدراسة إلى ان قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية هو اسرع قطاعات الاستثمار الاجتماعي نمو خلال السنوات (2015-2019) وبمعدل نمو سنوي مركب قدره 33%. يليه قطاع الخدمات المالية (باستثناء التمويل الاصغر) بمعدل نمو سنوي مركب قدره 30%. فيما احتل قطاعا الرعاية الصحية، والغذاء والزراعة المركزين الثالث والرابع، وبمعدل نمو سنوي مركب قدره 23%، 22% على التوالي. { أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :