اغتيال يربك تحقيقات مرفأ بيروت وتحذيرات من عودة "التصفيات"

  • 12/5/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يبدو أن فصول انفجار مرفأ بيروت المدمر في 4 أغسطس (آب) الماضي لا تزال تتوالى على أكثر من صعيد، كان آخرها مقتل المسؤول السابق في الجمارك العميد منير أبو رجيلي، الذي تولّى أكثر من مهمّة على صلة بالمرفأ، الأمر الذي أثار ضجة في لبنان، لا سيما مع حديث متزايد عن محاولات طمس ملف الانفجار في ظل تأخير غامض في التحقيقات وعدم صدور أي نتائج أولية بعد مرور أكثر من أربعة أشهر. ويرى مراقبون أن جميع الاحتمالات واردة في مقتل أبو رجيلي، وفي مقدمتها إمكانية ارتباطها بانفجار المرفأ، بخاصة مع اتهامات بوجود نوع من التراخي في حل لغز هذه القضية وسط تحذير متضرري الانفجار من نيّة طمس الملف. وما يعزز "فرضية" أن يكون سبب وفاته "الغامضة" على صلة بتحقيقات انفجار مرفأ بيروت، أن المحقق العدلي القاضي فادي صوان يستجوب كل من تولّى مسؤولية في الميناء منذ وصول باخرة "روسوس" المحمّلة بـنيترات الأمونيوم عام 2013، سواء كان وزيراً أو ضابطاً أو مسؤولاً في إدارة المرفأ. وأشارت بعض المعلومات المتداولة إلى أن العقيد أبو رجيلي قد يكون استُدعي إلى التحقيق منذ فترة، وأدلى بمعلومات "مهمة" عن "باخرة الموت" ربما ساعدت في الكشف عن خيوط الجريمة، الأمر الذي تحفظت مصادر قضائية رفيعة عن التعليق عليه، مشددة على سرية التحقيقات، في حين نفته بعض المصادر الصحافية. وتخوفت مصادر سياسية من عودة مسلسل الاغتيالات إلى لبنان وتصفية كل من يشكّل "تهديداً" بمعلومات قد تفضح حقبة كبيرة مرّت على مرفأ بيروت، مشبّهاً السيناريو بمسلسل الاغتيالات الذي طال عدداً من الأمنيين الذين توصلوا إلى خيوط مهمة في قضية اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، ومنهم الضابط في فرع المعلومات وسام عيد، ومحاولة اغتيال مساعد رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي المقدم سمير شحادة، ومن ثم اغتيال رئيس شعبة المعلومات وسام الحسن. وكان المجلس الأعلى للدفاع في اجتماعه الأخير أشار إلى تقارير أمنية وصفها بـ"الخطيرة" عن وجود مخططات لعمليات أمنية في لبنان، بينها اغتيالات، عازيةً الأمر إلى رصد خلايا متطرفة قد تكون أتت من سوريا إلى البلد، ما أثار موجة خوف كبيرة في صفوف المواطنين وجدلاً بشأن الأهداف من تسليط الضوء على هذه التقارير أمام الرأي العام. تمويه مسرح الجريمة مصدر متابع للتحقيقات كشف عن وقوع عملية القتل في ساعات الفجر الأولى من يوم الأربعاء، وأن الجناة الذين يقدّر عددهم بثلاثة على الأقل، دخلوا المنزل عبر فتح إحدى نوافذه بطريقة محترفة من دون أن يكون هناك أي تكسير وتوجه أحدهم إلى داخل غرفة النوم لقتله بضربات على رأسه مباشرة، ولم يستبعد أن يكون المغدور قد حاول المقاومة، ما استدعى تدخّل شخص آخر من الجناة. ولفت المصدر إلى أن الجناة سرقوا تلفازاً من المنزل وبعثروا بعض الأغراض بشكل عشوائي، مرجحاً أن الهدف هو محاولتهم الإيحاء بأن القتل وقع بغرض السرقة، إلا أن مؤشرات عدة تستبعد الأمر كون الترجيحات تميل إلى أن العملية كانت خاطفة ولم تستغرق سوى بضع دقائق، إضافة إلى أن طبيعة بعثرة الأغراض لا تتطابق مع الأماكن التي يلجأ اللصوص عادة إلى البحث فيها. استدراج قاتل وفي تفاصيل الاغتيال، يروي أحد المقربين من عائلة المغدور أن العميد أبو رجيلي لا يقطن في منزله ببلدة قرطبا، ويزوره ظرفياً، وقد أتى إليه بعد ظهر الثلاثاء لتفقّد بعض الأعمال التي كان يجريها في حديقة منزله وبعد تأخر الوقت اتصل بزوجته لإبلاغها أنه سيبيت ليلته في البلدة، ليعود إلى عائلته في اليوم التالي، وعندما حاولت زوجته الاتصال به مراراً قبل ظهر الأربعاء ولم يجِب على هاتفه توجهت برفقة بعض المقربين إلى المنزل لتجده مضرجاً بدمائه في سريره. ويتخوف المصدر ذاته أن يكون هناك من استدرجه إلى منزله في القرية لتدبير عملية تصفيته، بعيداً من بيروت، مطالباً الكشف عن معلومات الاتصالات على هاتفه، إضافة إلى حركة المكالمات التي أجريت في محيط المنزل والكاميرات المرصودة في الطرقات المؤدية إليه، مؤكداً أنه إذا كانت هناك جدّية في التحقيقات، فإن الكشف عن الجناة لن يطول. تعطيل تحقيق المرفأ وأكد ابن بلدة قرطبا النائب السابق فارس سعيد من جانبه أن الجريمة لم تحصل بهدف السرقة، مشيراً إلى أن المغدور ضرب بآلة حادة وهو نائم ليل الثلاثاء، "وبعد عدم ردّه على الاتصالات، قصدت زوجته الأربعاء المنزل في قرطبا لتعثر عليه جثة مضرجة بالدماء". ولفت إلى أن "المعروف ألا أعداء للعقيد داخل البلدة"، مشدداً على أنه إذا أرادت الدولة معرفة ما حصل معه يمكنها ذلك خلال يومين إلى ثلاثة، "ففي البلدة كاميرات مراقبة وشرطة بلدية وسرية قوى أمن داخلي، وإذا لم تعلن الدولة عن القاتل، يعني ذلك أنها تريد إخفاءه". وأوضح سعيد أن العقيد أبو رجيلي تولّى أكثر من منصب في مديرية الجمارك، وكان عضواً في المجلس الأعلى للمديرية، وتنقّل بالمناصب بين المطار ومرفأ بيروت ومراقبة المعابر الحدودية، وتسلّم أخيراً رئاسة قسم مكافحة التهريب في الجمارك قبل أن يُحال إلى التقاعد منذ قرابة العامين. وتساءل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عن دوافع الجريمة وكتب عبر "تويتر"، "ماذا وراء مقتل العقيد منير أبو رجيلي، رئيس مكافحة التهريب سابقاً في الجمارك اللبنانية. هل أن هذا الحدث المريع لتعطيل أي تحقيق جدي في قضية الانفجار في مرفأ بيروت؟". اغتيال لا يزال غامضاً وتعيد حادثة مقتل أبو رجيلي إلى الأذهان عملية مماثلة في مارس (آذار) عام 2017 تعرّض لها رئيس شعبة مكافحة المخدرات ومكافحة تبييض الأموال العقيد المتقاعد جوزيف سكاف الذي كان أول من حذّر من شحنة الأمونيوم في المرفأ، إذ عثر حينها عليه مقتولاً أمام منزله وآثار كدمات في رأسه. وكان سكاف سبق أن أبلغ السلطات بوجود الباخرة "روسوس" راسية على الرصيف رقم 11 في مرفأ بيروت، محمّلة بنيترات الأمونيوم الذي يستعمل للتفجير وهو شديد الخطورة ويشكّل تهديداً للسلامة العامة. وذكر المسؤول الأمني حينها في بلاغه أن "الباخرة كانت دخلت إلى المرفأ بتاريخ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 بالحمولة المذكورة وكانت متوجهة إلى موزمبيق، لذلك نقترح الإيعاز إلى رئاسة ضابطة بيروت العمل مع السلطات الأمنية لإبعاد هذه الباخرة عن الرصيف إلى كاسر الموج وإذا أمكن وضعها تحت الرقابة من قبل تلك الأجهزة الموجودة في المرفأ". وبعد مقتله، صدر تقريران متناقضان عن طبيبين شرعيين كلّفتهما النيابة العامة الكشف عن الجثة، فأشار أحد التقريرين إلى أن ما حصل قضاء وقدراً، فيما أكد التقرير الثاني بحسب وسائل إعلام محلية آنذاك، أن هناك من يقف خلف ما حدث ورمى به من على ارتفاع ثلاثة أمتار. وعقب انفجار بيروت، أعاد ابن العقيد الراحل النبش في قضية والده عبر منشور على "فيسبوك" قال فيه إنه "في مارس عام 2017، ارتُكبت جريمة بحقّ العقيد المتقاعد في الجمارك جوزيف سكاف، الذي لم يسقط كما قيل، فالعقيد هوجم بوحشيّة، وقتل أمام منزله"، مؤكداً أن القضية لم تُقفل، وأن العائلة تنتظر تحقيقاً جدّياً وشفافاً منذ 3 سنوات للكشف عن ملابسات الجريمة. "الحزب" أمام القضاء وللمفارقة أنه وبعد يومين على مقتل أبو رجيلي، سارع "حزب الله" إلى رفع قضايا بحقّ النائب السابق فارس سعيد وهو من بلدة المغدور والموقع الإخباري التابع لحزب القوات اللبنانية، وهما من أشد المعارضين له، على خلفية ما وصفه بـ"اتهامات باطلة" في قضية انفجار المرفأ، وهو أمر ليس معهوداً في سلوكيات الحزب. وقال النائب عن الحزب إبراهيم الموسوي للصحافيين من أمام قصر العدل في بيروت الجمعة إن "الاتهامات التي وُجّهت إلى حزب الله في قضية تفجير المرفأ باطلة وتشكل ظلماً وعدواناً حقيقياً واستمراراً لجريمة المرفأ"، موضحاً أن الحزب كلّف مجموعة محامين لرفع دعاوى قضائية لملاحقة ومتابعة "كل الذين مارسوا التضليل والتزوير والافتراء والاتهامات الباطلة"، وأضاف "الدعويان اللتان قُدمتا اليوم هما ضد فارس سعيد وضد موقع القوات اللبنانية، وثمة دعاوى أخرى ستسمعون بها لاحقاً". رسالة أمنية وردّ النائب السابق فارس سعيد على الدعوى المقامة ضدّه من قبل "حزب الله" بعد اتهامه بضلوعه في تفجير مرفأ بيروت وتخزين أسلحة، قائلاً "عادة هذا الحزب لا يلجأ إلى القضاء، فلماذا استعان به هذه المرة؟ وهو أيضاً الذي يزعم بأن الضعيف يستند إلى المحاكم، فهل أصبح حزباً ضعيفاً فعلاً؟" وحول رسالة "حزب الله" من وراء هذا الادعاء، قال سعيد "أفهم أنها رسالة أمنية مباشرة، خصوصاً أنه جاء في لحظة تتحدّث فيها الأجهزة عن عودة الاغتيالات فهل هذا حَوَل سياسي، أي أنهم يتقدّمون بدعوى استباقاً لأي حدث سياسي أو مكروه ما، يطال أي أحد ممن ادّعى عليهم حتى يقولوا لا علاقة لنا والعلاقة معهم قضائية وستبرز الوقائع أنه اتخذ صفة الادعاء الشخصي". وأضاف "لم أتكلم يوماً عن زعزعة الاستقرار في لبنان، بل من يتحدّث عن هذا الأمر هو رئيس جهاز الأمن العام اللواء عباس ابراهيم ورئيس جهاز أمن الدولة العميد طوني صليبا في هذه اللحظة عن العودة إلى الاغتيالات تقدّم حزب الله بصفته الشخصية ضد مسؤول سياسي وأرى أن هناك ربطاً بين هذا وذاك".

مشاركة :