الضغوط المتواصلة للترويكا الحاكمة في تونس تدفع المشيشي إلى تغيير فريقه الوزاري | آمنة جبران | صحيفة العرب

  • 12/25/2020
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

طفت على سطح المشهد السياسي التونسي مجددا دعوات إلى إجراء تعديلات وزارية مع مطلع العام القادم، وسط ضغوط متواصلة على رئيس الحكومة التي لم تمر على تأسيسها سوى فترة قصيرة، في خطوة يراها مراقبون بمثابة جولة حسم في خلاف الرئاسات الثلاث. تونس - توقعت أوساط سياسية تونسية إجراء حكومة هشام المشيشي تعديلا وزاريا في الفترة القادمة، في ظل حالة الشغور في مناصب وزارية مثل وزارة الشؤون الثقافية، فضلا عن إيقاف وزير البيئة مصطفى العروي على خلفية قضية فساد في ما يعرف بملف النفايات الإيطالية. وترى هذه الأوساط أن الترويكا الحاكمة (حزب قلب تونس – النهضة – ائتلاف الكرامة) التي تطالب منذ فترة بتغيير شكل الحكومة من حكومة كفاءات مستقلة إلى حكومة ذات صبغة سياسية، وجدت في حالة الشغور في وزارتي البيئة والثقافة، فرصة سانحة للضغط على المشيشي والدفع به نحو تعديل وزاري يستبعد فيه وزراء محسوبين على الرئيس قيس سعيد خاصة في الوزارات السيادية، وتعزيز الفريق الحكومي بوزراء مدعومين من الأحزاب الحاكمة. ونقلت وسائل إعلام محلية عن رئيس كتلة حزب قلب تونس بالبرلمان أسامة الخليفي قوله إنه “بداية من يناير القادم سيقع تعزيز الفريق الحكومي بوزراء جدد لهم برامج واضحة”، لافتا إلى أن “الفراغات الحاصلة اليوم في العديد من الحقائب الوزارية لا يمكن إلا أن تضعف الأداء الحكومي”. وبيّن الخليفي أن “التعديل الحكومي يجب أن يشمل الحقائب الوزارية التي حصل فيها شغور على غرار وزارة الشؤون الثقافية ووزارة الشؤون المحلية والبيئة وبعض الوزارات الأخرى التي قد يتبين لرئيس الحكومة ضرورة التغيير فيها بحثا عن المزيد من النجاعة”. ومن المرجح حسب تقارير إعلامية محلية أن يرضخ المشيشي لضغوط الأحزاب الحاكمة بهدف تعزيز حزامه السياسي، وتوقعت هذه التقارير أن يشمل التعديل -على غرار وزارة الثقافة والبيئة- وزارات الداخلية والعدل والمالية والفلاحة والصحة. ومن شأن هذه الخطوة أن تفاقم التوتر بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، حيث يمتلك الرئيس قيس سعيد حصة مهمة في الحكومة من خلال تعيينه وزراء السيادة (الدفاع والداخلية والعدل). ويبرر حزب قلب تونس الحاجة إلى تعديل وزاري في ضوء فشل أداء وزراء في مهامهم، وهو ما زاد من إرباك حكومة المشيشي التي تواجه تحديات غير مسبوقة على أكثر من واجهة. وأوضح صادق جبنون الناطق باسم حزب قلب تونس لـ”العرب” أن “الدعوة إلى إجراء تعديل تأتي في إطار تقييم أداء الحكومة بعد مرور مئة يوم على تشكيلها”. وأعرب جبنون عن مساندة حزبه لحكومة المشيشي، مستدركا “في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة، لم يعد هناك مجال للحلول الترقيعية، وارتأينا أنه من الأنسب أن يكون هناك نظر في هيكلة الحكومة حتى تكون في مستوى التحديات”. وفيما ذكر الخليفي أن التعديل سيجرى في شهر يناير المقبل، قال جبنون إن تاريخ التعديل غير محدد، وأن رئيس الحكومة هو صاحب الشأن في هذا الأمر. وتابع “سنطرح على المشيشي مسألة التعديل حسب تقييم الحزب، ويبقى القرار بيده”، واعتبر أنه من دوافع التعديل غياب الانسجام داخل الفريق الحالي بسبب وجود وزراء عيّنهم الرئيس. ولمواجهة إصلاحات هيكلية سيطلبها مانحون دوليون، يتطلب ذلك انسجاما في القرار بين الحكومة والبرلمان، حيث يجب أن تحظى حكومة المشيشي بسند سياسي أقوى مما هي عليه الآن، حسب تعبير جبنون. ويضم البرلمان التونسي كتلا نيابية مشتتة وشديدة الانقسام ما جعل مرور بعض القوانين يخضع لحسابات ومآرب سياسية وحزبية ضيقة. وتابع جبنون “لا بد من حكومة سياسية مسنودة من البرلمان تتمكن من مواجهة الأزمات”. واعتقد أن “حكومة الكفاءات المستقلة بدعة”، وعلى العكس يجب أن تعكس نتائج صندوق الاقتراع. وتضم حكومة المشيشي التي اختارها حكومة كفاءات مستقلة عن الأحزاب السياسية 25 وزيرا و3 كتّاب دولة، وتتعرض لانتقادات حادة بسبب تواصل التجاذب السياسي والصورة السيئة للبرلمان على وقع تدني الخطاب بين الأحزاب، فيما لم تتمكن الحكومة من صياغة حلول جديدة للضائقة الاقتصادية والاجتماعية. كما تعمل الحكومة في ظروف صعبة في ظل الصراع على السلطة بين الرئاسات الثلاث (رئاسة الدولة – الحكومة – البرلمان)، والذي ألقى بظلاله سلبا على إدارة الأوضاع وصعّب من مهام المشيشي الذي يواجه تركة ثقيلة من الأزمات. وترى أوساط سياسية أن المشيشي يسعى إلى تعزيز حزامه السياسي من خلال تعديل يسترضي فيه الأحزاب الحاكمة، تجنبا لإضعافه أو إزاحته تحت ضغوط الشارع في ظل توسع حالة الاحتقان الاجتماعي تنديدا بتردي الأوضاع المعيشية. ويتوقع متابعون أن يؤجج التعديل المرتقب الصدام بين الرئاسة والحكومة، خاصة وأن سعيد قد لمّح سابقا إلى رفضه أي تعديل يستبعد فيه وزراء محسوبين عليه. ويعتقد هؤلاء أن المشيشي في موقف صعب بسبب معركة لي الذراع التي يتعرض لها من قبل حزامه البرلماني، متوقعين رضوخه لابتزاز الترويكا الحاكمة بإجرائه تعديلا على المقاس، حفاظا على حكومته. وأشار النائب المستقل حاتم المليكي في تصريح لـ”العرب” إلى أنه “بالنسبة إلى دعوة قلب تونس لإجراء تعديل وزاري فهو مطلبه منذ بداية تشكيل الحكومة، ولا يستند إلى منطق التقييم في أداء وزرائها”. وبرأيه فإن “قلب تونس غير مقتنع بحكومة الكفاءات ويمارس الابتزاز لإجراء تعديل حكومي بمنطق المحاصصة”. ورغم إقراره بأن التعديل منطقي في حالة وجود شغور في حقائب وزارية، إلا أن المليكي يشير إلى رغبة الأحزاب في تغيير شكل الحكومة من حكومة كفاءات إلى حكومة سياسية بهدف السيطرة على الوزارات السيادية وبشكل خاص وزارة الداخلية. ويلفت إلى أن “الصراع اليوم دائر بسبب وزارة الداخلية، وهي الوزارة الأهم نظرا لإثارة قضايا تتعلق بسياسيين خاصة في الآونة الأخيرة”. وتابع “المعركة اليوم بخصوص وزارة الداخلية ووزارة العدل، حيث أن كل طرف يريد أن يضع يديه عليهما حتى يضغط ويبتز ويساوم بالملفات”. وفي تقدير المليكي، إذا وقع الالتفاف على حكومة الكفاءات وإدراج وزارات السيادة في إطار منطق المحاصصة الحزبية فهذا يعني أن حكومة المشيشي بعيدة كل البعد عن الاستحقاقات الحقيقية ومشاغل الشارع، وسيكون من الصعب عليها الاستمرار وستدخل في طريق مسدود بعد أن استوفت أسباب الفشل برضوخها لتعديلات وزارية على المقاس. وترزح تونس تحت أزمة سياسية واقتصادية خانقة، تعمقت مع حالة انقسام بين النخبة الحاكمة منذ انتخابات 2019. ويتهم الشارع نخبه بإضاعة الوقت في مواضيع غالبا ما تكون وراءها مصالح حزبية ضيقة، بينما يزداد الوضع الاجتماعي والاقتصادي صعوبة مع تداعيات جائحة كوفيد – 19. وفيما يتوقع المحلل السياسي كمال بن يونس في حديثه لـ”العرب” “إجراء تعديل جزئي” إلا أنه “لن يغير شيئا خاصة أننا في الحكومة رقم 11”. وحسب بن يونس فإن الأهم هو “حسم الخلاف بين الرئاسات الثلاث من جهة، وضمان السير العادي للبرلمان من جهة ثانية، والاتفاق على عدم تعطيل أشغاله وتمكين مؤسسات الدولة من العمل”. وختم بالقول “يجب تعزيز مناخ الثقة والتوافق لتجاوز الأزمة”.

مشاركة :