ككل علماء الاجتماع يرى دور كايم أنه لا فائدة من طرح المشكلة الخلقية على المستوى الفلسفي ما دامت الأخلاق موجودة بالفعل في العادات والتقاليد ويكفى إذاً وصفها بأن الواجب الخلقي في نظره صدى للضمير الجمعي. فيما يتملك الإنسان نزوعات داخلية تعارض الأخلاق في جوهرها وتسلب القيمة التي تحتفي بها الحياة، فالإنسان يتشكل حسب المعاملات الاقتصادية التي يتم قيدها بمعية البنية الأساسية الاجتماعية، فإما يسجل للقيم إضافة أو تنخفض مميزاته وحدوده وشروطه مع الآخر وتكون حصيلة مجهوده متدنية، ويستمر في التعويض إلى أن يتحول إنجازه إلى دوافع عدائية كمعاناة تعزل مهامه عن بعضها البعض. إن عدم الاكتراث بالتغييرات الاجتماعية لا تمنح الناس المعرفة الخالصة، ونستنتج ما قاله علماء الاجتماع أن الحقائق المطابقة لا تحمل أي قيمة في تاريخ الفكر البشري، بل إنها قد تكون مؤذية وهدامة، لذلك يتم استبدالها بالأوهام المفيدة التي تستمد قيمتها من قدرتها على حفظ البقاء واستتباب السلم والأمن. لا أعلم كيف بوسعي أن أسأل كيف نهرب من الأمور التي تؤرقنا، والإنسان بالجوار يعاني ويرسل صوراً مؤلمة تبثها جميع الأقمار الصناعية وتتسابق على عرضها، صور لخمسة آلاف لاجئ فلسطيني وسوري ما تزال حدود مقدونيا اليونانية مغلقة تمنعهم من الوصول إلى أوروبا، ويبدو أن آخر أوهامنا هو اعتقادنا أن الغرب يتفوق علينا إنسانية، وها نحن كعقارب ساعة تسابق الثواني تدور في فلك مجنون تبحث عن دقيقة تائهة على حدود الزمن. تستثمر مشاعر الرأفة أمام شقاء الآخرين، ولا ريب أننا ما لم نتذكر مآسينا فإننا نكون على الدوام في خطر نواجه الوقوع مجدداً فأعلى معدلات قتل وموت في العالم من نصيب العرب والمسلمين، فإن لكل حركة تأثيراً على مصير الناس وعلى مجرى الأحداث فمهما كانت المشاهد مختلفة كالساعة والنجوم وأجهزة نقل الحركة الأتوماتيكية فجميعها صورة عن النظام الاجتماعي في أي مكان. ربما كان اختيار اللاجئين لليونان فكرة غير صائبة لما تواجهه اليوم من أزمات اقتصادية وسياسية ومواجهات ومعارك بين قوات الأمن المقدونية ومجموعات مسلحة، وأيضا تتصدى لعبور المهاجرين في ظروف بيئية صعبة للغاية، ولكن الخيارات محدودة، انه بحق هروب من الحياة ومن دوافع الموت وأشكال الصراع والعدوانية التي نراها اليوم بين البشر لأسباب عرقية أو عقائدية أو اقتصادية أو سياسية، فإلى أي مدى تكون العلاقة مبتورة ومغلقة؟ فكلما أسدل الليل ستاره تذكرنا الملامح البائسة الحزينة وهي تستغيث فينثني الألم عميقاً بالصدور وكلمات يترنم بها رجل أكثر بؤساً من ليلة حالكة الظلمة باع عقله لهواه يسير في شارع ساكن موحش ينادي ذاته المشردة ويلعن أسباب جنونه وهوسه وهو يردد بلحن مهزوز ومهزوم: أنا متطرف حيث أعيش مغامراتي، أنتهك حرية الأرصفة لتأوي تشرد أفكاري، لم أكن أسعد من الآن طيلة حياتي، ونزاعات العالم تتبع أثري، والشيء الوحيد الذي يفرحني هو خطوات القتلة خلفي.. لكي تنتهي ثوراتي.
مشاركة :