الواجب ضمير الأخلاق - مها محمد الشريف

  • 8/3/2013
  • 00:00
  • 24
  • 0
  • 0
news-picture

لا شك أن كل إنسان في لحظة ما يتذكر الماضي وقد يتساءل: ما عسى ان تكون طفولتنا لو أننا تُركنا وشأننا نفعل ما نشاء؟ ونقدم بلا تفكير على واقع متحرك بلا رقيب، أكنا سنطير فرحاً من لذة إلى أخرى؟ أم أن الأوامر التي تسمح وترفض، تبيح وتحظر، تصرخ وتصمت، تجيز وتمنع، كانت تحول بيننا وبين حرية الإرادة وسعادة الطفولة المطلقة وعفوية اللحظة وفطرة الأرواح؟ إن سؤالاً، بمثل هذه البساطة قد يطرحه فيلسوف أو معلم أو مؤلف، يهدف إلى تسليط الضوء على دور الآباء والأمهات، وبالتالي المجتمع الذي يأتي بعد الأسرة ليجيب عن كل هذه التساؤلات، ثم يضيف لها حزمة من الواجبات، تارة في ترسيخ مفهوم الواجب، وتارة أخرى في توجيه تصرفات الفرد توجيهاً ينسجم مع مطالب المجتمع، لتكتسب تلك التصرفات قيمة أخلاقية.. إن الإنسان نظراً لتميزه بالعقل، في غير حاجة لأي فلسفة أو علم ليتعلم منهما ما يجب عليه القيام به، تجاه أسرته أو شخصه أو مجتمعه، كما سمعنا من معلمينا وأساتذتنا، ففي تجربة الصراع بين الضمير والأهواء ينبثق المبدأ العقلي للواجب الذي يفرض أوامره على الشخص بشكل إكراه متنام إلى ان يصل إلى قمة التسلط، فيلزمه بفعل ما، حتى لو تعارض مع قناعته وميوله. أما إذا اتفقت الناس على ان السعادة في القيام بالواجب أكثر من الحرية يكون الواجب حينها دالاً على الحرية، أما موقف جون راولز، صاحب نظرية العدالة في الفكر السياسي المعاصر، فينصرف في حديثه عن الواجب الأخلاقي، ثم إلى الحديث عن الواجب باعتباره نمطاً من التضامن الذي يبنيه ويؤسسه الجيل السابق للجيل اللاحق، حتى، يستطيع الجيل الأول ان يوفر كل إمكانات العيش الرغد والمريح، وهذا يثبت للجميع أن «الأجيال السابقة تحمل على كاهلها أعباء كثيرة تصب في صالح الأجيال اللاحقة». وبالتالي فكل جيل يحمل على عاتقه ضرورة تأمين المستقبل الأخلاقي الذي يحاول إبعاد حالة الضياع والتشتت، وكثيرة هي المناحي التي ينبثق منها هذا الواجب الأخلاقي، ويصبح حينها اسمى من المصلحة الفردية، وتتوارد الأمثلة والقراءات وما جاء به الباحثون في البحوث، من تأكيد وحوار ومثل عليا أساسية تنص على أولوية الواجب، باعتباره قيمة أخلاقية يجب أن تحل محل المصالح الذاتية.. وسأكتب لكم هنا نبذة من كتاب «النقد الذاتي» للمؤلف «علال الفاسي، عندما قال: إننا قادرون على التفكير بل كل التفكير فيما نعتقد أنه من مصلحتنا الخاصة، هو ما يرجع لطعامنا وشرابنا مثلاً، ولكننا إذا وقفنا أمام الواجب وقفنا حائرين لا ندري أي اهتمام به ولا شعور، ثم قال: عندما هاجت مدينة فاس ضداً على قرار الأشغال العمومية المتعلق بمسألة المياه في أوائل عهد الحركة الوطنية قلت لرفاقي: حينما تحل الواجبات الوطنية محل الماء من شعور أهل فاس وفكرهم يمكنهم ان يهبوا للدفاع عن الحق وأداء ما عليهم نحوه. قد تكون كلمات متداولة وعادية الطرح ولكني وجدت فيها عظمة الواجب ودوره في الوعي الأخلاقي بكل حالاته وانفعالاته، ثم نتساءل ما الشكل الجميل الذي يبحثه كل فرد في الحياة؟ هل هو ما يختص بالقيمة التي تمثله ويمثلها داخل حياة الجماعة، أو أنه يشبه توزيع المهام التي يختارها توزيعاً عادلاً على صعيد نظام الطبقات الاجتماعية، ورصد الواقع المتحرك والمعطيات المباشرة، أم يساهم في تشكيل الوعي واللا يكون فريسة لايديولوجيا تجعل القيم الأخلاقية آلية من التزييف والخداع، المؤديين إلى التحرر من الواجبات لكي تعيش المجتمعات حالة شقاء الادراك والوعي؟!

مشاركة :