ونحن نتجاوز عشر سنوات ونقف على أبواب الدورة الثالثة للمجالس البلدية التي تأتي بحزمة مختلفة من الصلاحيات في صناعة القرار فيما يتعلق بالعمل البلدي وإيصال صوت المواطن يجب أن نتجاوز الآن حالة التشاؤم التي يحملها البعض حول دور المجالس البلدية التي لم تصل في السابق إلى مستوى التطلعات كاملة ولكنها تبقى خطوة جيدة نحو الشراكة الحضارية والعمل المؤسساتي، ويكفينا أننا لا نزال نوليها جل اهتمامنا ونعتني بتطويرها عاما بعد آخر ومن شواهد ذلك ما ستحظى به المجالس البلدية في دورتها الثالثة ونظامها الجديد الذي يعد في رأي الكثير من المراقبين بمثابة نقلة نوعية جديدة في مسيرة عمل البلديات ويتطلعون أن تنعكس على تطوير أدائها بما يلبي تطلعات واحتياجات المواطنين ويحقق رغبة قيادته في الشأن البلدي لا سيما وانه جاء مواكبا لمتطلبات العصر باشتماله على 69 مادة موزعة على 12 فصلا من أهمها منح المجالس البلدية "شخصية اعتبارية" ذات استقلال مالي وإداري يشتمل على تخصيص اعتمادات مالية لكل مجلس بلدي ضمن ميزانية وزارة الشؤون البلدية والقروية تشتمل على بنود بالاعتمادات والوظائف اللازمة، وربطها تنظيميا بوزير الشؤون البلدية والقروية، ومنحها كذلك سُلطة التقرير والمراقبة وذلك وفقاً لأحكام النظام وفي حدود اختصاص البلدية المكاني. وحسب النظام الجديد وفقا للمهندس جديع القحطاني -المتحدث الرسمي باسم المجالس البلدية- سيتم محاسبة الأعضاء المقصرين في أعمالهم بالدورة الجديدة للانتخابات منوها إلى إلى أن العقوبات تصل إلى إسقاط العضوية إضافة للإنذارات والحرمان من العلاوة مبينا انه بموجب النظام الجديد للانتخابات فإنه يحق للجهات الرقابية فرض غرامة لا تزيد علىن 50 الف ريال أو السجن لمدة عام أو كليهما لمن يثبت تورطه في شراء الأصوات الانتخابية البلدية منوها إلى انه مرحب بمراقبة نزاهة وكل المؤسسات المدنية غير الربحية للمشاركة بالإشراف على الدورة الثالثة. تخوف من شراء الاصوات ومن هذا المنطلق ومع وجود تخوف ضمني من وجود عملية خفية لشراء الأصوات بالمال أو الهدايا وهي موجودة ومعترف بها كظاهرة سلبية في دول كثيرة ليس فقط على مستوى المجالس البلدية وإنما تعدتها إلى مستوى البرلمانات أيضا أهملت بداية الأمر حتى استفحلت، فإنه حري بنا أن نتوقف عند هذه الجزئية ومناقشتها مع ما يحصل من تجاوزات ربما ترتكب من بعض المتقدمين للترشيح، لو تجاهلناها في هذا الوقت فربما تتحول عندنا إلى ظاهرة من المظاهر السلبية نفقد السيطرة عليها يوما من الأيام ويصعب علينا معالجتها وهي تأتي عادة ضمن الحيل التي من الممكن أن تسهم في تغيير المواقع الطبيعية وتوصل أشخاصا لا يستحقون إلى مقاعد المجلس البلدي على حساب أصحاب الكفاءة والمقدرة والأمانة، وعند استعراض الممارسات الأخرى أو ما نستطيع نسميته (متلازمة شراء الأصوات) بطرق غير شرعية عانت منها دول سبقتنا في تجربة الانتخابات وصعب عليها بعد ذلك التخلص منها ومن ذلك ايضا تصوير ورقة الاقتراع بعد ملئها بواسطة الجوال أو كاميرات صغيرة خفية قبل وضعها في الصندوق لإطلاع المرشح وسماسرته عليها ومنها أيضا ما يعرف ب (الورقة المحروقة) عندما يخرج احد المقربين بورقته فاضية دون أن يضعها في الصندوق بعد تمويه اللجنة، وفي الخارج تسلم لسماسرة المرشح تعبأ من قبلهم ببيانات الاول ثم تعطى لمقترع مماثل يسقطها في الصندوق ويحضر ورقته فاضية وهكذا. إلى هنا نترك لضيوفنا وأغلبهم ممن مر بالتجربة الانتخابية تفنيد بعض هذه الوسائل والممارسات وانعكاساتها على الوطن والمجتمع مع العديد من الوسائل المختلفة التي عادة ما يستخدمها المرشح في حملاته الانتخابية للظفر بأكبر عدد من الأصوات. العزف على الوتر القبلي والديني يقول د. خالد العوض -عضو مجلس بلدي معين سابق- : بعد إعلان المملكة عن بداية أول انتخابات بلدية، تفنّن المرشحون في حملاتهم الانتخابية لجذب أصوات الناخبين بوسائل متعددة وحسب قدراتهم المادية، منهم من استطاع اللعب على وتر القبيلة مثلا، ومنهم من استطاع الحصول على الصوت من خلال الحملات الدعائية الضخمة والمهرجانات الدينية والثقافية والولائم الدسمة اليومية في خيامهم الانتخابية؛ ومنهم من استطاع استمالة الناخبين عن طريق العزف على الوتر الديني وحملات "فاظفر بصاحب الدين" إبراءً للذمة وإراحة للضمير" . ويوافقه م. مشعل الفهيد -عضو معين في الدورة الأولى للمجالس البلدية- والذي يؤكد ان للقبيلة والفئة والانتماء المناطقي دورا فاعلا في توجيه البعض منا ويشكل للأسف جزءا من ثقافتنا داعيا الجميع التخلص من هذه الأفكار والتجرد من العنصرية القبلية أو المناطقية لأن الصوت أمانة ونحن مسؤولون عنها أمام الله أولا وبالتالي فإنه من الخيانة أن نمنحه من لا يستحقه بسبب العنصرية أو إغراء المال أو الجاه. تصرف مرفوض ويؤيدهم أيضا م. صالح الفهيد -عضو في المجلس البلدي السابق مرشحا وفي الثاني معينا - مشيرا الى ان ثقافة بعضنا لا تزال رهن القبيلة والمنطقة التي تلعب دورا مهما في توجيهنا وتحديد من يصل إلى كراسي المجالس وذلك على حساب الكفء وقد تلعب عوامل أخرى وممارسات غير مقبولة كما يتحدث البعض، وان كنا لم نرها مثل بعض الحيل بما فيها استخدام المال أو الوعود الكاذبة واستقطاب الناخبين بهذه الأساليب للحصول على أصواتهم، وهو تصرف مرفوض وسرقة وخيانة للبلد والمجتمع وعلينا أن نتحرك ونتكاتف مواطنين ومسؤولين للوقوف ضد مثل هذه الممارسات وفضح كل من يرتكبها، وعلى هؤلاء أن يتقوا الله ويدرك كل واحد منهم ان ما يقوم به يعد أمانة سيسأل عنها أمام الله عز وجل ثم أمام وطنه ومجتمعه وفي نفس الوقت بالنسبة للناخب الذي تقع عليه مسؤولية الاختيار بعيدا عن العواطف والمؤثرات أيا كانت، عليه أن يدرك إدراك تام أن صوته أمانة وترشيحه تزكية للمرشح وعلى ذلك يجب أن يهب صوته للكفء صاحب القدرة والأمانة والكفاءة العملية والعلمية والقادر على صنع القرار داخل المجلس. شراء الثقة ومن جانبه يرى ثامر السبيعي -عضو في إحدى لجان الانتخابات البلدية سابقا- أن العضو الضعيف وسط مجتمعه والذي لا يمتلك مقومات الفوز هو غالبا من يرتكب مثل هذه الحيل والمخالفات ومحاولة شراء الثقة وربما يلجأ للكذب والتدليس وخداع البسطاء بالشعارات الزائفة وبالوسائل غير الشرعية من أجل الوصول إلى كرسي المجلس بأي طريقة كانت، ولعل من أخطرها وأكثرها سوءا عملية شراء الذمم بالمال أو الهدايا والعطايا، لأن هذا العضو إن وجد فهو يعد بنفسه بذرة فاسدة في المجتمع ولا يمكن الثقة به و ينبغي منا محاربة بذرة السوء تلك والقضاء عليها وعلى مسبباتها حتى لا تفسد المجتمع وتبث الفوضى داخله وتؤسس لسلوكيات سيئة يصعب اجتثاثها مستقبلا وبالتالي فهي أكثر الممارسات سوءا وأكثرها خطرا ومن الواجب علينا كمجتمع أن نتكاتف جميعا على وأدها والقضاء عليها والتبليغ عن مرتكبيها أيا كانت مواقعهم بعد السماح للجهات الرقابية بالمتابعة والضبط بما فيها هيئة مكافحة الفساد. كما أن على الجهات المعنية أن تعي خطورة مثل هذه الممارسات ولعله من المثلج للصدر ما صدر هذا العام من تحذير على لسان المتحدث الرسمي للانتخابات البلدية للعابثين من أن هناك عقوبات وغرامات مالية وسجن وشطب لكل من يثبت تورطه بمثل هذه السلوكيات وتلميحه إلى أنه لا مانع من مراقبة نزاهة لسير الانتخابات البلدية، وتمنى في الوقت نفسه أن تفعل هذه التحذيرات مؤكدا أنها ستكون وسائل الردع الكافية والرسالة الأهم لكل من تسول له نفسه ترويج الفوضى وإيجاد بيئة للفساد والمفسدين. تزكية وتفويض بدوره يعد سلطان العنزي -إمام جامع في الأسياح - فكرة المجالس البلدية والانتخابات البلدية وهو يجتز لنا سطورا من خطبة جمعة التزم بها خطباء الجوامع، تعبير حقيقي عن هوية المجتمع فيمن يمثله ويحمل كذلك من الناخب وهو المعادلة الأهم في هذه المنظومة معنى التزكية والتفويض للمرشح وشهادة له بأنه الأصلح وبالتالي تحتم علينا الأمانة أن نتجرد من العواطف والمؤثرات عند الاختيار بعيدا عن الانتماء القبلي والمكاني أو الانتماء في المنهج الدعوي أو لمجرد القربى أو الهدية أو العطية التي لا يمكن القبول بها لا دينا ولا عرف. استخدام الشعارات الكاذبة ولما كانت الشعارات الزائفة والوعود المبالغ فيها ضمن الوسائل التي استخدمها بعض المفلسين لتحريك عواطف الناخبين وحملتها لوحات دعاياتهم ومنشوراتهم على شكل بشائر قادمة لا محالة حتى تضع حدا لمطالبهم ورغباتهم وتصب في مصالحهم يحدثنا مرة أخرى د. خالد العوض وهو صاحب كتاب (المجلس البلدي والبلدية – الحرب الباردة) وهو يصف إحدى المراحل الماضية وإن كانت لا تزال تشخص أيضا حال واقعنا الحاضر قائلا: الأكثر إثارة هي ما أطلقه بعض المرشّحين من وعود انتخابية تبدو لأول وهلة مستحيلة التحقيق على أرض الواقع خاصة وأن تجربة المجالس البلدية في دورتها الأولى تجربة جديدة ولا أحد يعرف حجم المسؤوليات والأدوار التي سيقوم بها أعضاء المجالس البلدية، لكن جهل الناخبين بطبيعة العمل البلدي وعدم معرفتهم بالصلاحيات الممنوحة لأعضاء المجالس البلدية دفع بعض المرشَّحين إلى إطلاق وعود انتخابية كثيرة تصب في حاجة المواطن لكنها بعيدة كل البعد عن مسؤوليات العمل البلدي مثل إنشاء كليات جامعية حكومية وافتتاح فروع لبعض الدوائر الحكومية، وغيرها من المشروعات التي لا تقع ضمن صلاحيات المجلس البلدي. وعود مضحكة ويذكر العوض بعد ذلك حالة معينة من تلك الوعود التي تمتزج فيها الطرافة بالألم ويقول: أطلق أحد المرشحين في إحدى القرى النائية الصغيرة وعداً سيلتزم به أمام ناخبي قريته في حالة فوزه في الانتخابات القادمة بعد أن رأى صعوبة موقفه الانتخابي خاصة في وجود منافسين أقوياء سحبوا الصوت القبلي من تحت أقدامه واستحالة الحصول على الصوت الديني الذي يتطلب مواصفات خاصة، هذا الوعد الذي قطعه على نفسه يتمثل بإزاحة الخطر عن قريته وتجنيبها خطر الطريق الدولي الذي يمرّ بقريتهم الصغيرة عن طريق إقامة جسر مرتفع يصل طوله إلى خمسة كيلومترات يمتد من أول القرية وحتى نهايتها بحيث يجنّب سكان قريته الصغيرة مخاطر هذا الطريق ويبقيهم بعيداً عن تلك السيارات الكبيرة التي اعتادت المرور أمام العدد القليل من الماشية التي تسرح وتمرح على جانبي الطريق، ولم يكتف هذا المرشح بهذا المشروع الضخم، بل إنه تعدّاه إلى فتح المدارس للجنسين وإنشاء الكليات والمعاهد وافتتاح فروع للأحوال المدنية والمرور والجوازات والزراعة وهلم جراً، وبالطبع لم تفلح هذه المحاولات في جذب الناخبين وأسفرت النتائج عن حقيقة مرّة بالنسبة له حيث لم يحصل هذا المرشح على أي صوت بما فيها أصوات أقاربه وأصدقائه المخلصين، صاحبنا البلدي هذا نجح في جذب صوت واحد هو صوته لنفسه والذي تأكد أنه أدلى به في ورقة الاقتراع! وهذه الحادثة الانتخابية الساخرة تبيّن عدم معرفة بعض المرشحين والناخبين لطبيعة العمل البلدي التي تتطلب الإلمام بنظام ومواد لائحة المجالس البلدية التي تحدد الأدوار والمهام التي يضطلع بها عضو المجلس البلدي والتي ترتبط بشكل كبير بالخدمات البلدية فقط داخل المدينة أو المحافظة.
مشاركة :