تبدأ رواية «حدائقهن المعلقة»، تأليف الشاعرة الكويتية نجمة إدريس، بشاهد مقتبس من الكاتب الإيطالي أنطونيو تابوكي يؤكد فيه أهمية الكتابة والذاكرة، فالكتابة تعطي الحياة معناها، بينما تتيح لنا الذاكرة الحرية في أن نعيد اختراع الحياة وتغييرها. تشارك في بناء الرواية شخصيتان: منال الكاتبة وصديقتها سهام التي تراجع ما تكتبه صديقتها وتعلق عليه، وكأنها تقوم بدور الكاتب الذي يعيد النظر في عمله خطوة خطوة، وذلك من خلال وسيلة فنية حديثة أتاحتها المراسلة عبر الإيميل. عمل روائي جميل منسوج بسلاسة يمتزج فيها الواقع بالخيال، ويضم مجموعة شخصيات من مشارب وبلدان عربية مختلفة، التقين في لندن، وجمعت بينهن صداقة حميمة في «سكن الفتيات: فايزة الفلسطينية، وروز اللبنانية، وصفاء العراقية، والمصريتان سميحة ونجوى، وبشرى الإماراتية، وأخيراً الوافدة الجديدة من الكويت منال». هذا ما تخبرنا به زميلتهن الأردنية سهام (ص: 19). جرت مناقشة الرواية في جلسة افتراضية نظمها أول أمس «صالون الملتقى الأدبي»، بحضور الكاتبة وسيدات الملتقى، وأدارت الجلسة أسماء صديق المطوع، قائلة: نلتقي اليوم مع الشاعرة والقاصة نجمة إدريس لمحاورتها حول روايتها التي تفتح أمام القارئ نوافذ على خبرات الاغتراب بين مجموعة من الصديقات والأصدقاء، وهم يعيشون خريفهم الذهبي في لندن، سواء للدراسة أو العمل، ويطلع القارئ من خلال السرد الشاعري الجميل كيف مضى بهم قطار العمر موزعاً بين الحنين والشوق والانتماء والصراع. وكيف ظل الانتماء للغة والذاكرة ربما أقوى وأشد تأثيراً من الانتماء للمكان، ولا تقف الروائية منحازة لمعاناة النساء في المهجر فقط، بل تنفتح على عوالم أرحب ترتبط بالهوية والقلق الوجودي الذي يعيشه الإنسان العربي في أوروبا. وأشارت الكاتبة إلى أن الرواية تضم كوكبة من النساء العربيات في لندن، قائلة: أنا لم أبتعد عن جذوري، وقد نشأت في بيئة كويتية فيها التنوع والاختلاف من أكثر الدول العربية، ودراستي في لندن أتاحت لي حياة مشتركة مع العديد من الصديقات، لذلك لم أكن لأحتاج الكثير من الخيال، لصياغة شخصيات الرواية والتعبير عن أجوائهن وأحوالهن، مؤكدة أن النسيج الروائي لا يستطيع أن يعكس ملامح من الحياة، إن لم يعايش هذا الواقع. وأضافت موضحة: أنا لدي ميول للعلاقات الإنسانية والتناغم معها، وكثير من الشخوص في الرواية هم من وحي الواقع مع تدخل الخيال، هناك جانب حياة وجانب حقيقة، حاولت أن أوائم بين الجانبين. أما اللغة فهي جزء أساسي من شخصية الإنسان، ومع أن هذه هي روايتي الأولى، إلا أنني قارئة وعاشقة للرواية، ومن خلال عمودي الصحفي أظل ملتصقة بالرواية، لكن على الكاتب أن يراجع نفسه ليسلك الطريق الآمن، وبالنسبة لعنوان الرواية فهو يحيلنا إلى «حدائق بابل المعلقة»، سواء كانت واقعاً أو أسطورة، ورحلة هؤلاء النساء وأحلامهن تظل معلقة مثل تلك الحدائق. وفيما يتعلق بالاغتراب، بينت الكاتبة أن هناك مراوحة بين الجذور والمغترب، كما أن هناك نوعاً من المواءمة، مشيرة إلى أن الشعور بالغربة يمكن أن يكون داخل الوطن، وخاصة أن العالم تغير كثيراً، وتجربة الغربة في الماضي أيام توفيق الحكيم في «عصفور من الشرق»، أو الطيب صالح في «موسم الهجرة إلى الشمال»، تلك التجربة لم تعد موجودة، فالعالم اليوم أصبح قرية واحدة، وأنا منفتحة على مختلف الثقافات. والرواية من منشورات «دار الآداب» في بيروت، وتقع في 420 صفحة، وجرت المناقشة بحضور الناشرة رنا إدريس.
مشاركة :