أشاد الدكتور عاصم حمدان، أستاذ الأدب والنقد بجامعة الملك عبدالعزيز، بالخطوة الرّائدة والإنسانية التي قام بها المستشار والإعلامي الأستاذ محمّد سعيد طيب، وذلك بتخصيصه مجلس الثلوثية الماضية للحديث عن حياة وشمائل الفقيد عمر عبدالله كامل -رحمه الله رحمة الأبرار-، والتي تحدّث فيها عددٌ كبيرٌ من عارفي فضله؛ ويأتي في مقدمتهم معالي الدكتور عبدالعزيز خوجة، وزير الثقافة الإعلام السابق، والأستاذ والكاتب المعرف عبدالله فراج الشريف. وقد عرفتُ الفقيد عمر عبدالله كامل من مجالس أهل العلم والرواية في المسجد الحرام في التسعينيات الهجرية، حيث كان الفقيد -ومعه صهره معالي الدكتور محمّد عبده يماني- من خاصة جلساء عالم اللغة والفقيه فضيلة السيّد محمّد أمين الكتبي الحسني، والسيد الفاضل والمربّي إسحاق عزّوز، وقد حمله تواضعه ونبله ليتصل بكاتب هذه السُّطور، قبل طباعته لكتاب «لا ذرائع لهدم آثار النبوّة»، والصادر عام 2003م، مستفسرًا إذا ما كنتُ أرغب في نشر كتاباتي المتّصلة بهذا الموضوع -أي ضرورة الحفاظ على الآثار- فدفعت إليه، مقدّرًا لطفه، بما كتبته عن هذا الموضوع القديم المتجدّد على صفحات هذه الجريدة الغراء، وخرج الكتاب الذي ضمّ أيضًا مقالات لعدد آخر من الكُتّاب، ولأمانته العلميّة التي عُرف بها وضع عنوانًا ثانويًّا حمل هذه العبارة «مقالات وردود بين المؤيّدين والمعارضين للدكتور عمر عبدالله كامل وآخرين»، مع أن الجزء الأكبر من هذا الكتاب كان مخصصًا لمقالاته، وحواراته عن هذا الموضوع، إلاّ أنّه تحقيقًا لما ذكرته من سمة الأمانة العلمية والموضوعية التي كان يتصف بها؛ أشار إلى جهود الآخرين معه. كما يحمد للمرحوم أنّه كان من أوائل من نبّه لخطورة المنحى التكفيري والتبديعي الذي بُليت به الأمة العربية والإسلامية في الحقبة الأخيرة، وكان من ثماره المُرّة والأليمة ما تقوم به حركة «داعش» الإرهابية المتطرّفة وأخواتها، وتشويههم عمدًا بأفعالهم وسلوكياتهم القبيحة والسيئة صورة الإسلام النّقي، الذي جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين وسيّد الأوّلين والآخرين سيّدنا محمّد بن عبدالله، عليه صلاة الله وسلامه، والذي وصفت الآيات البيّنات خلقه العظيم بقوله عزّ وجلّ: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» سورة آل عمران آية: 159، وهو المنهج الذي سار عليه خلفاؤه الراشدون بعده، وخصوصًا في تعاملهم مع الآخر، والمنبثق عن درايتهم بما عامل به النّبي صلّى الله عليه وسلّم أهل الكِتاب من صفات العدل والقسط والإحسان، فهذا سلوك أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عند دخوله مدينة «القدس»، حيث كان يتفقّد كنيسة القيامة، بعدما دعاه البطريرك «صفرونيوس» لذلك، فأدركته -رضي الله عنه- الصلاة وهو فيها -أي في الكنيسة- فقال له البطريرك: صَلِّ. فقال: ما كان لعمر أن يصلّي في كنيسة القيامة، فيأتي المسلمون من بعدي، ويقولون هنا صلّى عمر، ويبنون عليه مسجدًا. وابتعد عنها رمية حجر، وفرش عباءته وصلَّى، وجاء المسلمون من بعده وبنوا على مصلاّه مسجدًا؛ ولهذا يكثر اسم عمر بين الجالية المسيحية في فلسطين، وهذا المنهج الإسلامي الحقيقي في التّسامح والعدل، وهو ما دفع بالمفكّر الغربي «ويزمر أُدولُف - Wismar Adolf» لإصدار كتابه الموسوم «دراسة في التّسامح كما جسّدته سلوكيات النّبي محمّد وأتباعه من بعده»، والعنوان بالإنجليزية هو (A Study Of Tolerance As Practiced By Muhammed And His Immediate Successors / New York 1972). رحم الله الشّيخ والدّاعية عمر كامل، الذي قضى حياته مدافعًا عن المقاصد الحقيقية للشّريعة الإسلاميّة، إضافة إلى تمتّعه بالتّواضع والسّخاء، وبذل الجاه، وخصوصًا لذوي الحاجة، وعوّض الأمّة فيه خيرًا.
مشاركة :