علي حرب وخطورة النزعات اليسارية المتشددة | عاصم حمدان

  • 8/8/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

* أقصى اليسار في الفكر العربي لا يقلُّ خطورة عن أقصى اليمين والذي نجد له أمثلة عند التيارات الإرهابية بدءًا من طالبان والقاعدة وانتهاء بـ«بكوحرام» و«داعش»،وما يسمى بـ «حزب الله» وأقصى اليسار الذي يُضرب مثالٌ له بالجماعة التي ظهرت في بريطانيا في نهاية السبعينيات الميلادية وحملت اسم Militant, tendency، أي النزعة القتالية، وهي تيار انشق عمَّا يُعرف بالنزعة الاشتراكية التروتسكية Trotskyite. ولم يقف رافضًا لهذه النزعة اليسارية تيارات اليمين والوسط فقط بل حتى اليسار المعتدل داخل المؤسسة العمالية رفض هذه النزعة، وأتذكر أن السياسي والكاتب والصحافي المعروف مايكل فووت Foot، خطب ذات يوم ورفع صوته قائلًا: «سوف أقاتلهم حتى آخر نفس في حياتي». * ولعلي أردتُ من هذه المقدمة أن أتطرق إلى مقال «علي حرب» في صحيفة الحياة الأربعاء 20 يوليو2016م والذي حمل عنوان «ما نشهده من إرهاب قد يكون آخر مراحل الإسلام السياسي»،مازجًا بين الإسلام ونصوصه قطعية الدلالة في تحريم قتل النفس وبين أفكار تيار الإسلام السياسي، والتي هي في مجملها مجموعة من الأفكار والتصورات الخاصة بـ»منظِّري « هذه التيارات،أي هي فعل أوصنيع بشري محض. ولعلِّي أذكِّر الكاتب ببعض النصوص القرآنية الواضحة في براءة الإسلام من تلك النزعات «الجهادية» التي نوافق الكاتب على خطرها على العالم العربي والإسلامي قبل أن يمتد خطرها على العالم الغربي، فهو-أي القرآن الكريم- يخاطب المشركين قائلًا: «لكم دينكم ولي دين» ومحذرًا من إكراه الآخرين على الإيمان في قوله تعالى: «أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين»، بل إن القرآن في دعوة الى سلوك إنساني وحضاري فريد، ينهي عن سبِّ آلهة الآخر حيث يقول: «ولا تسبُّوا الذين يدعون من دون الله فيسبُّوا الله عَدوًّا بغير علم»، وأزعم أنه ليس هناك دين توحيدي اعترف بما للمؤمنين من أهل الديانات الأخرى من حقوق مثل ما اعترف الإسلام حيث يقول عز وجل في وصف النصارى أوالمسيحيين المؤمنين بأنهم الأقرب إلى المسلمين «ولتجدنَّ أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدنَّ أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانًا وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنَّا فاكتبنا مع الشاهدين». ولقد فرض علينا القرآن دستورًا بيننا كمسلمين وبين الآخر لا نحيد عنه حيث يقول عز وجل: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين». * ولعلي أتعرض أيضًا لسلوك الرسول صلى الله عليه وسلم مع أهل الديانات الأخرى في أول وثيقة حقوق إنسان مكتوبة، ولقد جاء في هذه الوثيقة ما نصه: «وأن اليهود أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمؤمنين دينهم»، بل نزل القرآن لينصف يهوديًا اتهم بالسرقة زورًا، فبرَّأه الله عز وجل على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وذلك شأوٌ بعيد لم يلتفت إليه كثير من الباحثين، فهو قرآن يتلى ودليل وبرهان ساطع على عظمة الرسالة المحمدية «إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيمًا»، والآية الرديفة لها هي «ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوَّانًا أثيمًا». *وهذه الوثيقة النبوية والتي تقر بحقوق أهل الديانات الأخرى هي المصدر لما عرف باسم «العُهدة العُمرية» وهي النص التاريخي الهام والذي يقرُّ بالديانات التوحيدية الأخرى حيث جاء فيها «هذا ما أعطى عبدالله: عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها». *لعله من المؤسف أن يخلط شخص مثقف مثل علي حرب بين الإسلام في أصوله ومقاصده وبين أفكار التيارات الدينية المتطرفة والإرهابية، فذلك أبعد ما يكون عن الموضوعية وأقرب إلى الافتراء بالباطل.

مشاركة :