* تصريح المتحدث الرسمي لتنظيم داعش الإرهابي، والذي أثنى فيه على ما قام به الشقيقان السعوديان من جريمة إرهابية، وهي قتل ابن عمّهما غدرًا، إضافة إلى اثنين من رجال الأمن، وذلك في منطقة حائل، وأنهما -أي الإرهابيين- استجابا لدعوة زعيم التنظيم أبي بكر البغدادي، مضيفًا إنهما «مِنّا وفينا»، وإنَّ ما فعلاه ينطبق تمامًا مع أدبيات التنظيم، ولاسيما «عقيدة الولاء والبراء» «انظر الحياة، الجمعة 2 محرم، العدد 19187». * هذا التصريح يوضّح تنامي مساحة الفكر التكفيري وغسله -إن صح التعبير- لعقول شبابنا، وهذا ما اتّضح في الحادث الإرهابي الأخير في منطقة سيهات، والذي أدّى إلى استشهاد خمسة مواطنين -بينهم امرأة-، وكان تجاوب رجال الأمن سريعًا وفاعلاً، فتمكَّنت الأجهزة الأمنية من قتل المسلّح الإرهابي.. وذكرت المصادر الرسمية أن هذا المسلح في العشرينيات من العمر، وهذا يدلل على أن التنظيم بوسائله الجهنمية يستهدف في المقام الأول صغار السن من شباب الوطن، ويحوّلهم من أدوات بناء لوطنهم، لأدوات تدمير لذواتهم، وأقاربهم، ومجتمعهم، ولإشاعة الرعب بين إخوة لنا في الدِّين والوطن. * واذا كنا نعلم -متيقنين- أن هذا الإرهاب لن يفلح في إشعال فتنة مذهبية في بلد يطبّق شرع الله، وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم، وأنَّ الحسَّ الأمني الرفيع لدى أجهزتنا الأمنية قد وقف حائلاً دون أن يبلغ هذا الفكر أهدافه الشيطانية، فكانت تلك الضربات الاستباقية لدحر هذا التيار في أوكاره المظلمة، إلاَّ أن ذلك لا يمنعنا من الإشارة إلى وجوب التركيز على الناحية الفكرية، وأهميتها الملحّة درءًا لهذه الأفكار الخارجية التي يعتنقها البعض، ويناصرها البعض الآخر، ولكن بأسلوب مستتر. ومن تلك المتطلبات الفكرية هو أن يكون تشريح هذا الفكر وإدانته، والتبرؤ منه بعبارات واضحة لا لَبْس فيها، فأئمة المساجد، والوعّاظ، والمدرسون يقع عليهم العبء الأكبر في هذه الناحية، ولا يستطيع أحد سواهم أن يقوم بهذه المهمّة الوطنية. وذلك أيضًا يدفعنا للقول بأن الزعم بأن الولاء للدين يتنافى، أو يصطدم مع الولاء للوطن سبب رئيس من أسباب انسياق بعض الشباب خلف تلك التيارات المتطرّفة والتكفيرية، حيث يحل الولاء للأفكار ومنظِّريها محل الولاء للوطن، وولاة الأمر فيه، ويحلُّ محل كفِّ اللسان عن التشكيك في عقيدة أهل القبلة، إن لم يكن تفسيقهم وتبديعهم، وعوضًا عن ذلك القصد الشرعي الأبلج نجد البعض ينحاز عن جهل فاضح إلى مقولة جاهلية المجتمع. ويجب أن نقر بأن ما تسلل إلينا من أدبيات بعض تيارات الإسلام السياسي ما يعرف بمبدأ الحاكمية، لقد كان لهذا الفهم المنحرف والمشبوه دوره في التشكيك في عقائد الآخرين، حتى أن بعضهم بلغ به الغلو بأنه لا يلقي التحية على أخيه المسلم، ثم يتطوّر الأمر بأن يقاطعه، ثم يأتي ما هو أدهى من ذلك، وهو استحلال دمه. * وإذا كان الملك المؤسس عبدالعزيز -طيب الله ثراه- أول من تنبَّه لضرورة وجود حوار وطني كمقوِّم أساس من مقومات المواطنة، حيث جرى حوار ديني في مكة المكرمة في 21 جمادى الأولى من عام 1343هـ، كما يذكر ذلك المؤرخ أمين الريحاني، وعند زيارة المؤسس -رحمه الله- للمدينة بعد تسليمها عام 1344هـ أمر كذلك بإجراء حوار بين الأطياف المختلفة للمجتمع، وهو الأساس الذي قام عليه مركز الملك عبدالله للحوار الوطني. * وإذا كان الملك المؤسس قد استشرف بفطرته النقية وبُعد نظره الأفق، وأمر بما يجمع الشمل، فإنه يمكن القول إن أمام مركز الحوار أهمية كبرى في الكشف عن الأدبيات التكفيرية، وأن الإسلام بمقاصده العُليا هو أبعد ما يكون عن نزعة سفك الدماء، واستحلالها، حيث حذَّرنا خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم من ذلك وسواه في حجة الوداع، بقوله المعجز: «فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا إلى أن تلقوه، ألا لا ترجعوا بعدي ضُلَّالاً يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا هل بلّغت، ألا ليبلِّغ الشاهد الغائب». لقد بلَّغت يا سيدي رسول الله، وعلينا أن نصيخ، ونأتمر، ونتّعظ.
مشاركة :