من حسن الحظ أن انتهت القمة الخليجية الـ41 التي عقد في منطقة العلا بالمملكة العربية السعودية الشقيقة تلك النهاية السعيدة التي يبدو ونتمنى أن تكون قد طويت إلى غير رجعة، تلك الخلافات بين دول المجلس. إن البيان الصادر عن هذه القمة أكد وقوف دول مجلس التعاون صفا واحدا في مواجهة أي تهديد تتعرض له أي دولة من دول المجلس وكذلك عدم المساس بالسيادة الوطنية لأي دولة من دوله أو المساس بأمنها. إن أخطر ما يتهدد المنظومة الخليجية 4 أمور لا بد من مواجهتها بالجدية الكافية إذا ما صدقت النوايا:أولا: الوحدة الخليجية من حيث وحدة القرار السياسي والأمنى والاقتصادي التي تؤمن قوة هذه المنظومة ومناعتها وقوة كلمتها في أي مفاوضات إقليمية أو دولية سواء كانت ذات طابع أمني أو سياسي أو اقتصادي، ولذلك فإن ما حققته القمة مؤخرا يعد لبنة في سبيل استعادة وحدة الصف الضرورية في هذه المرحلة من تاريخ المنظومة الخليجية.ثانيا: التحدي الاقتصادي الذي بات يتهدد المنطقة وفي ظل تقلبات أسعار النفط والأزمات المالية المتكررة وتصاعد المشكلات الاجتماعية في أغلب دول الخليج العربي نتيجة لتلك الأوضاع والمستجدات الاقتصادية والمالية وحتى الصحية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا، فالتنسيق والتعاون والتكامل واعتبار السوق الخليجية سوقا واحدة سوف يحد من الآثار السلبية لتلك الأزمات التي أشرنا إليها ويعاني منها المواطن الخليجي في كل دول المجلس تقريبا.ثالثا: التحدي الأمني حيث لا يخفى أن دول المنطقة مستهدفة في أمنها، خاصة بالنسبة لأنها في مواجهة إيران التي تتلاعب بأمن المنطقة ولا تتوقف عن التهديد الصريح والمستمر لأمن الخليج العربي والاستهانة بدوله والحديث المتكرر عن قدراتها الباليستية والنووية وأن بإمكانها شن ضربات على دولنا، فهذا التهديد الإيراني في الحقيقة هو تهديد جدي وخطير يجب أن نأخذه مأخذ الجد، ولذلك فإن أول خطوات لمواجهة هذه التحديات بالجدية اللازمة هو وجود موقف خليجي موحد وصلب ضد الاختراق الإيراني ومنع إيران من تحقيق أي مكاسب أو اختراق الصف الخليجي بأي شكل من الأشكال، وخاصة أن الدستور الإيراني قد كرس هذه النزعة العدوانية، وأن دولة الملالي الإيرانية عليها تنفيذ مبدأ تصدير الثورة ولا تتعامل مع دولنا من منطق الدولة والمصالح المشتركة والقوانين الدولية واحترام سيادة الدول وإنما تتعامل مع دولنا من منطق الثورة، حيث تعتبر أي تدخل في المنظومة الخليجية أو اليمن أو سوريا أو لبنان أو غيرها من الدول موقفا ثوريا وواجبا شرعيا، ولذلك وجب أن ننتبه إلى خطر هذا التوجه وعدم الاستهانة به والتوقف عن الحديث عنه عند الحديث عن أي خلافات مع إيران وكأنها مجرد خلافات سياسية حول مصالح أو حدود أو غيرها من الخلافات التي قد تنشأ بين دول العالم، ويجب علينا أن نتعامل مع الموقف الإيراني الرسمي الفعلي بكونه موقفا عدائيا ثابتا وكلما وجد فرصة إلحاق الضرر بدولنا بأي شكل من الأشكال فإنه لن يتأخر عن ذلك أبدا، وأن أي قول يخالف هذا القول فهو قول غير واقعي يتجاهل هذه الحقيقة، وهذا التجاهل لن يكون في صالح دولنا؛ ولهذا فإننا نأمل أن يكون فتح صفحة جديدة في العلاقات الخليجية فتحا لفهم موحد لتلك الخطورة ولهذا التحدي الذي يجب أخذه بعين الاعتبار بغض النظر عن تفاصيل العلاقة مع إيران التي لم تغير منطقها منذ عام 1979 وإلى اليوم انطلاقا من اعتبار تدخلها في المنطقة واجبا شرعيا أو تكليفا فقهيا. رابعا: الحاجة الماسة إلى إعادة النظر في البناء الاجتماعي الخليجي بتصحيح التركيبة السكانية الخليجية وترشيد استقدام العمالة الوافدة والاعتماد عليها وتمكين المواطن الخليجي في مقابل ذلك تدريجيا من تسلم مقاليد الأمور الاقتصادية والتنموية داخل بلدان مجلس التعاون والسماح لحركة أبناء الخليج داخل سوق العمل الخليجي بدلاً من الحضور المتزايد للقوى العاملة الآسيوية بوجه خاص، وذلك لخطرها الداهم والمتوقع في المستقبل على التركيبة السكانية وعلى الهوية العربية لدول الخليج، حيث لا يخفى أن مثل هذا الأمر يحتاج إلى قرار سياسي على مستوى دول المجلس مع وضع خطة زمنية للعودة بالعمالة الأجنبية إلى حجم معقول لا تتجاوز 25% من القوى العاملة في السوق الخليجي مع مراعاة ظروف كل بلد على حدة.
مشاركة :