مجلس التعاون الخليجي والتحدِّي بعد قمة العُلا (4)

  • 3/2/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

قيام مجلس التعاون في ثمانينات القرن الماضي يعتبر مرحلة مهمة جدًا   وها هنا نأتي إلى آخر حلقة في مقالاتي حول تفعيل مجلس التعاون ودوره المهم في تعزيز العلاقات والعمل الخليجي المشترك بعد تجربة طويلة من العمل في اروقة الامانة العامة حفلت دائمًا بروح الامل والتفاؤل التي حملها قادته المؤسسين والتاريخيين والحاليين وكذلك وزراء الخارجية الذين كانوا الجهة المنفذة لقرارات المجلس الأعلى الى جانب الامانة العامة التي كانت تقوم بتنفيذ هذه القرارات بالتنسيق مع الدول مع كل ما واجهته من تحديات اثناء اجراءات التنفيذ. وخاتمة القول، فإن قيام (مجلس التعاون) في ثمانينات القرن الماضي يُعتبر مرحلة مهمة جدًا في تاريخ الخليج العربي، خصوصاً وأن منطقة الخليج شهدت ظروفاً إقليمية صعبة في تلك الفترة وما بعدها، كالانسحاب البريطاني من شرق السويس، والمطالبات الإيرانية بالبحرين، والحرب العراقية الإيرانية، والغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت، والاحتلال الأمريكي للعراق وتسليمه لإيران تدريجياً حتى بعد الانسحاب منه في (ديسمبر 2011م).  لذلك، فإن قيامه جاء نتيجة لظروف وأخطار وتحديات أمنيّة قاهرة، واستجابة لتطلعات أصحاب الجلالة والسمو القادة وقناعتهم الثابتة بأهمية التقارب والتلاحم والاتحاد.  وشخصيًا لا أجد مستقبلاً أمام المجلس إلا بتنفيذ ما جاء في (المادة الرابعة) من النظام الأساسي للمجلس الموقَّع في أبوظبي (مايو 1981م) التي تنصّ على تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء وصولاً إلى الوحدة، الذي هو هدف أسمى لقادته وشعوبه المؤمنة بأن (الاتحاد الخليجي) هو طوق النجاة الذي يحمي إنجازات دول المجلس ومكتسباتها الحضارية على مدى العقود الماضية والقادمة.  ومن أجل أن يحافظ مجلس التعاون على سيادته واستقلاله الوطني ومكتسبات مواطنيه في ظل التحديات والتهديدات الخطيرة والمتوالية والمحيطة به من كل جانب، فإنه من الأهمية بمكان أن يتمّ:  = تعديل النظام الأساسي للمجلس بإلغاء الاجماع المنصوص عليه في (المادة التاسعة) منه، والتي كانت حاجزًا أمام تعطيل العديد من مشاريع المواطنة الخليجية التي تدفع نحو قيام (الاتحاد الخليجي)، حيث تنص هذه المادة على أنه (تصدر قرارات المجلس الأعلى في المسائل الموضوعية بإجماع الدول الأعضاء الحاضرة المشتركة في التصويت وتصدر قراراته في المسائل الإجرائية بالأغلبية)، فكانت سببًا مباشرًا لعدم التوصل إلى كثير من القرارات الخاصة باستكمال المواطنة الخليجية الكاملة التي انتظرها المواطن الخليجي منذ تأسيس المجلس، والتي تواجه في السنوات الأخيرة الكثير من التحديات المهدِّدة لكيانها واستقلالها.  = النظر في إمكانية توسيع منظومة مجلس التعاون الخليجي بعضوية الدول التي تنسجم أوضاعها وسياساتها مع دول مجلس التعاون كمصر والمغرب والأردن، التي تمَّت معها اجتماعات تمهيدية عديدة خلال فترة عملي وكيلاً لوزارة الخارجية؛ لما لهذه الدول من ثقل ودور مهم في مواجهة التهديدات المباشرة والمتغيرات المتسارعة على الساحتين الدولية والإقليمية.  = تفعيل (هيئة فض المنازعات المستقلة) التي نصّ عليها النظام الأساسي لمجلس التعاون، وتشكيلها من أعضاء مستقلين ذوي خبرة واختصاص للنظر في الخلافات السياسية والحدودية والاقتصادية بين الدول الأعضاء، ومنحها صلاحيات تنفيذية كاملة تضمَن أن يكون لقرارتها وأحكامها صفة الإلزام والالتزام والتنفيذ من قِبَل الدول الأعضاء، والاتفاق على حزمة جزاءات تطبَّق على الدولة أو الدول غير الملتزمة بقرار أو حكم الهيئة.  ولا بدّ هنا من الإشادة برؤى أصحاب الجلالة والسمو القادة، التي اتسمت بالرغبة الصادقة في استمرار نهج التحديث والتطوير، الذي يؤكد إيمانهم بدور الإنسان الخليجي في المشاركة ببناء مجتمعه الملتزم بقيمه وتراثه وحضارته وإنجازاته في إطار دولة المؤسسات، وإشراكه في إدارة الحكم من أجل مواجهة استحقاقات المتغيرات الاستراتيجية في المنطقة والمؤامرات، والتصدّي للخطط التي تدعو إلى تغيير أنظمة الحكم الخليجية تحت الشعارات المزيفة للديموقراطية وحماية حقوق الإنسان والحفاظ على حرية الرأي والتعبير التي بدأت فوضاها عام (2011م) وما صاحبها من تغييرات في أنظمة حكم بعض الدول العربية وما سببته من فوضى وحروب وصراعات لم تزل قائمة في الجوار الإقليمي لدول مجلس التعاون.  وكإضافة لا بد منها لما حول التصوّر الممكن لتنفيذ ما ورد أعلاه وكذلك لتنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز التي أقرَّتها قمة الرياض في (ديسمبر 2015م) للانتقال من (مرحلة التعاون) إلى (مرحلة الاتحاد) بمن هو مستعد من الدول الأعضاء، الذي هو التوجّه السليم للإسراع في قيام الاتحاد الخليجي، فإنه من الأهمية بمكان تفعيل الدور المحوريّ للأمانة العامة لمجلس التعاون خصوصاً بعد (قمة العُلا) التي عُقدت في (5 يناير 2021م)، وذلك من خلال الآتي:  منح الأمانة العامة صلاحيات تنفيذية كاملة في إطار السياسة العامة للمجلس الأعلى والمجلس الوزاري، وذلك على غرار المفوضية الأوروبية بالاتحاد الأوروبي.اي ان تتحول الامانة العامة الى مفوضية  تعزيز دور أجهزة الأمانة العامة بمنحها صلاحيات في المجالات غير السيادية (الاقتصادية والتجارية والاجتماعية والصحية والرياضية والبيئة)، والاستفادة من تجربة (المفوضية الأوروبية) التي تعتبر الإدارة العُليا التنفيذية للقرارات المتعلّقة بتلك المجالات.  ضخ دماء جديدة في الأمانة العامة، ذات خبرة وكفاءة عالية ترشحها دول المجلس أو يتم استقطابها من سوق العمل الخليجية لقيادة العمل الخليجي المشترك والارتقاء بأداء أجهزة الأمانة، وتعزيز قدراتها وإمكانياتها.مع وجود امين جديد لديه الكثير من الطموحات والافكار التي تنصب في تطوير اداء الامانة العامة.  إعطاء استقلالية للمؤسسات والمنظمات والمكاتب الخليجية التابعة لمجلس التعاون مع وجود اشراف مالي ومحاسبي من الأمانة العامة لسرعة تنفيذ القرارات والإجراءات الجماعية وترشيد الانفاق وتفادي الازدواجية وضمان اتساق عمل المنظمات الخليجية والتنسيق بينها واندماجها في العمل الخليجي المشترك.  تركيز جهود الأمانة العامة على تنفيذ قرارات المجلس الأعلى، بحيث تكون الأمانة مسؤولة مسؤولية مباشرة عن إنجاز واستكمال ومتابعة تنفيذ تلك القرارات وذلك بتحديد آلية سريعة ومناسبة لتنفيذ قرارات المجلس الأعلى التي تعتبر تفويضًا صريحًا للأمين العام للمجلس لتنفيذها فورًا دون إبطاء، خصوصًا بعد إقرارها من اللجنة الوزارية المعنيّة بتنفيذ قرارات المجلس الأعلى والتي عادةً ما تعقد اجتماعين في العام.  وبهذا أكون قد استكملت الدراسة على مدى الاسابيع الاربعة الماضية راجيًا أن أكون قد وفقت في تقديم رافد قد يساعد في تفعيل الامانة العامة ودورها في تعزيز العمل الخليجي المشترك بعد اربعة عقود منذ إنشائها.  والله الموفِّق  المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون

مشاركة :