هذا شطر من بيت للمتنبي يقول: ونَذيمُهُمْ وبهِمْ عَرَفْنَا فَضْلَهُ وبِضِدّها تَتَبَيّنُ الأشْياءُ والمراد الذي نفهمه من ذامه اي كذمه، وقوله ونذيمهم مما يؤنس الي ما ذهب إليه بعضهم في روايته البيت السابق بالنون، يقول المتنبي: ونحن نذم اللئام ولولاهم ما عرفنا فضله؛ لأن الأشياء إنما تتبين بأضدادها فلو كان الناس كلهم كرامًا لم يعرف فضله، وهذا المعنى قد تعاوره كثير من الشعراء قال بشار: وَكُنَّ جَوَارِي الْحَيِّ مَا دُمْت فِيهِمُ قِبَاحًا فَلَمَّا غِبْتِ صِرْنَ مِلَاحَا وقال أبو تمام: وَلَيْسَ يَعْرِفُ طِيبَ الْوَصْلِ صَاحِبُهُ حَتَّى يُصَابَ بِنَأْيٍ أَوْ بِهِجْرَانِ وقال: وَالْحَادِثَاتُ وَإِنْ أَصَابَكَ بُؤْسُهَا فَهْوَ الَّذِي أَنْبَاكَ كَيْفَ نَعِيمُهَا وقال: سَمُجَتْ وَنَبَّهَنَا عَلَى اسْتِسْمَاجِهَا مَا حَوْلَهَا مِنْ نَضْرَةٍ وَجَمَالِ وَكَذَاكَ لَمْ تُفْرِطْ كَآبَةُ عَاطِلٍ حَتَّى يُجَاوِرَهَا الزَّمَانُ بِحَالِي وقال البحتري: وَقَدْ زَادَهَا أَفْرَاطَ حُسْنٍ جِوَارُهَا خَلَائِقُ أَصْفَارٍ مِنَ الْمَجْدِ خُيَّبِ وَحُسْنُ دَرَارِيِّ الْكَوَاكِبِ أَنْ تُرَى طَوَالِعَ فِي دَاجٍ مِنَ اللَّيْلِ غَيْهَبِ بيد أن المتنبي صرح بالمعنى وهو أن مجاورة المضادة هي التي تثبت حسن الشيء وقبحه. وقد يكون الضد بنفس المعنى من وجه آخر فكلمة (ضد) في اللغة لها معنيان متناقضان: فهي تدل على المخالف، وتدل كذلك على النظير والمثل، ومن هنا جاء اسمها. جمع (ضد) أضداد، ويجوز أن تبقى على حالها بلفظة المفرد (مثل فُلْك بمعنى سفينة وسفن). قال أبو عبيدة – وهو راوية عربي – يقال إنه يهودي الأصل – في باب الأضداد من كتاب (الغريب المصنف): "سمعت أبا زيد الأنصاري يقول (السُّدْفة) في لغة تميم هي (الظلمة)، وفي لغة قيس هي (الضوء). كذلك تقول بنو عقيل (لمَقت الشيء) أي كتبته، وفي قبائل أخرى تعني - محوته ، و (سجد) عند طيئ تعني انتصب، وعند كثير من القبائل بمعنى- انحنى. وقد الف العلماء في هذا الباب ومنها (كتاب الأضداد) للأنباري، وكذلك (ثلاثة كتب في الأضداد) – للأصمعي والسجستاني وابن السكيت، ويليها ذيل في الأضداد للصغاني. وتظهر للقارىء متعة تتبع اللغه وبحرها الواسع ومنها الاضداد وهي ظاهرة لغوية مدهشة، إذ تجد في اللغة العربية ألفاظًا يعني كلٌّ منها الشيءَ وضدَّه، فتجد كلمة “الصريم” التي تعني “الليل” وتعني “النهار”، وكلمة “الناهل” التي تعني “الظمآن” وتعني “مَن شرب حتى ارتوى”، إلخ. ومنها كلمة (جلل)، فتجدها في شعر شاعرين بمعنيين مختلفين: الأول- الحارث بن وَعْلة الجَرْمي يقول: ولئن عفوتُ لأعفونْ جللا ولئن سطوتُ لأوهننْ عظمي فسبب عفوه جلل نفسه وعظمتها. والثاني: (امرؤ القيس) يقول: بقتل بني أسَدٍ ربَّهم ألا كلُّ شيء سواه جللْ ويقصد هنا بكلمة (جلل) تافه أو عديم القيمة. و (الجليل) على رأي بعض اللغويين تعني العظيم، وتعني كذلك الحقير. فالفعل (جلّ) معناه أستن واحتنك، ومن هنا أخذت معنى الاحترام، لأن كبير السن محترم. و (جلّ) معناها ضعف وهان.... ومن هنا أخذت معنى الحقارة. واختم ما انقله لكم بأن من الأضداد ماهو من لهجتنا وهي الدارجة فصحى إفزع : (الفزع ، قال أبو حاتم : يقال الرجل اذا ارتاع وخاف ، يفزع فزعاً ، فهو فزعٌ وكذلك فزع يفزع فزعاً ، اذا أغاث غيره أبى الطيب عبد الواحد بن على اللغوى تـــ (351)هــ) الايميل : abdullahalasmari360@gmail.com تويتر : DR_abdullah_
مشاركة :