تسارعت خطوات وزيارات عدد من القادة والزعماء العرب باتجاه العاصمة الروسية موسكو خلال الأشهر القليلة الماضية، فعقدوا من خلالها عدداً من الاجتماعات، ظاهرها تعزيز العلاقات المشتركة ومناقشة سبل التعاون بين الأطراف المعنية، وباطنها، على ما يبدو، ما هو أبعد من ذلك! هذه الزيارات المتعددة التي جاءت جميعها في وقت واحد، أثارت تساؤلات عديدة حول المستقبل المتوقع للمنطقة في ظل استمرار الأزمة السورية، وتفاقم الأوضاع في اليمن، وفوق كل هذا وذاك، الاتفاق النووي الإيراني، الذي سيقلب بلا شك موازين العلاقات الشرق أوسطية مع اللاعبين الأساسيين في المنطقة. ولكن لماذا روسيا الآن؟ يبدو وللوهلة الأولى، أن القادة العرب أدركوا جيداً أنه لا حل للأزمة السورية، وفقاً لأهواء وتطلعات هؤلاء القادة، دون أن تكون هناك موافقة ومباركة روسية، وخصوصاً أن أميركا لم تستطع بمفردها أن تقود هذه الأزمة، لأنها وبكل بساطة لم تكن من أهم أولوياتها. وإن كانت كذلك، فإن «الفيتو» الروسي سيقف بالمرصاد تجاه أي مشروع سيتم طرحه لمعالجة القضية السورية في مجلس الأمن، مع اللعب على وتر فشل أميركا في تدخلاتها الأخيرة في كل من أفغانستان والعراق. كذلك، فإن الكل يعلم جيداً، أن روسيا هي المصدر الأول والأساسي لتزويد سورية بالسلاح والعتاد، ومتى ما تم تحييد هذا المصدر، فإن القيادة السورية لن تستطيع أن تستمر في مقاومة هذا المد الهائل من المعارضة والجماعات الإسلامية المسلحة بمختلف توجهاتها وحتى إن استمر الدعم الإيراني! إن ما يدعم وجهة النظر هذه، صفقات السلاح الأخيرة المعلنة بين روسيا وبعض الدول العربية، وكأنها تحاول أن ترسل إشارات غير مباشرة، بأنها ستدعم روسيا اقتصاديا، مقابل كسب ودها في معالجة الملف السوري. وعلى الجانب الآخر، فإن الاتفاق النووي الإيراني الأخير قد أثار صدمة، قد لا تكون ظاهرة، على العديد من الدول العربية، بالتزامن مع التقارب الملحوظ في العلاقات الديبلوماسية الإيرانية مع الغرب، ولعل آخر مظاهر هذا التقارب، إعادة افتتاح السفارة البريطانية في العاصمة الإيرانية طهران قبل نحو إسبوع، بعد مضي أربعة أعوام على إغلاقها. فعلى الرغم من التعهدات الأميركية الأخيرة باستمرار حمايتها للمنطقة والمحافظة على العلاقات المتينة مع دول مجلس التعاون تحديداً وتأكيداتها المستمرة أن الاتفاق قد حيَّد كثيراً من قدرات إيران النووية، إلا أن هناك شعوراً متنامياً أن الولايات المتحدة الأميركية، قد ترى وتتعاون مع حلفاء آخرين غير دول الخليج في المنطقة في المستقبل المنظور، وهذا ما سيشكل خطراً حقيقياً على أمن هذه الدول القائم على الوصاية الأميركية، وسط تحالف روسي ملحوظ مع إيران. ولأن أميركا، القطب الأوحد في العالم، تمارس نظرية تحقيق المصلحة المطلقة، فإن دول المنطقة وجدت في التقارب مع روسيا عامل ضغط على أميركا، من خلال اللعب على ورقة تبديل الشريك الإستراتيجي والتأثير المباشر على العلاقات العسكرية واللوجستية والعقود المليارية المبرمة تحت بند الحماية والتزود بالأسلحة وذلك لإعادة كسب ودها الذي بدأ جلياً بالتناقص. نعلم تماماً، أن روسيا لا تملك في الوقت الحاضر المقومات العسكرية والاقتصادية والتأثير العالمي المطلوب مقارنة بأميركا، وهي التي تعاني من مشاكل داخلية عديدة، إلا أن الدول الخليجية والعربية يجب أن تكون أكثر توازناً في تحقيق مصالحها، وألا تعتمد على أميركا بمفردها كأساس لحماية أمنها، وأن تلعب على الحبلين، كما يقول المثل، وبدهاء مطلق، إذا ما أرادت أن تستمر في تحقيق مبتغاها! والله من وراء القصد! Email: boadeeb@yahoo.com
مشاركة :