قبل أيام زرت بوركينا فاسو وهي بلد أفريقي فقير يعيش على المنح التي تقدمها الدول، وعلى الزراعة البدائية التي تعتمد على الأمطار والعمل اليدوي الشاق، أهم صادراتها القطن والذهب، يعيش حوالي 47% من سكانها تحت خط الفقر وتعاني من أهم أمراض العالم الثالث وهو ضعف الإدارة وبطء الإجراءات، ولديها نمو سكاني يتجاوز 3% رغم النسبة الكبيرة لوفيات الأطفال بسبب الأمراض المستوطنة ومنها الملاريا والإيدز، لديها خيرات كثيرة وأراض خصبة ووفرة مياه لم تستثمر كما يجب. الاقتصاد القوي الذي أساسه التنوع في الانتاج والتصدير والتركيز على الأبحاث والتطوير، هو أساس استمرار قوة المملكة الاقتصادية والعسكرية المحترفة التي تدافع عن مصالح المملكة وجيرانها، وهو أساس تماسك الجبهة الداخلية ومحاربة الفقر والبطالة والرقي بالخدمات. وزرت قبل أشهر دولة النرويج وهي دولة من أغنى دول العالم وأكثرها تقدماً من حيث التعليم والصحة ونظافة البيئة والتنمية المستدامة، في كل عام تحتل مراكز متقدمة في مؤشر الشفافية ومكافحة الفساد، لديها صندوق سيادي تجاوز رأس ماله ثمانمئة مليار دولار، ورغم أنها دولة منتجة للنفط والغاز إلا أنها استطاعت أن تنفذ من المرض الهولندي وهو مرض أصيبت به الدول التي لها مصادر طبيعية توفر لها المال بطرق سهلة ودون عناء العمل والإنتاج، وسمي بهذا الإسم لأن هولندا عانت منه حين اعتمدت على البترول مدة خمسين سنة إلى أن نضبت الحقول وعادت الدولة إلى الإنتاج والتصدير. المقارنة السابقة وإن كانت غير علمية إلا أن كل مطلع على المصادر المفتوحة للمعلومات عن كلا البلدين كدخل الفرد والناتج المحلي ثم مقارنة ما تمتلكه كل دولة من مصادر طبيعية يثبت أنه يوجد عنصر واحد مؤثر في كل الدول وهو القيادة بما تملك من قوة وإرادة وشفافية لتنفيذ الخطط والإصلاح المستمر والاستثمار في الإنسان ليصبح منتجاً وبصحة جسمية ونفسية جيدة، ومدى تمتعها بالشفافية وحسن اختيار القادة والمتابعة والمحاسبة. وهذا هو ما تهيأ لكثير من الدول التي غادرت العالم النامي إلى العالم المتقدم مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وقبلهما اليابان. والعالم هذه الأيام يعيش تغيرات كثيرة وتحديات كبيرة منها انخفاض أسعار النفط والركود الاقتصادي على مستوى العالم، لكن المملكة تواجه تحديات أكبر بسبب اعتمادها على مصدر واحد، وبسبب الاضطرابات الكثيرة في المنطقة والتزاماتها الكبيرة للدول المتضررة ومنها اليمن ضد التمرد الحوثي وما تتطلبه الأوضاع الحالية وما بعدها من التزامات، ما يحتم عليها أن تتجه بكل قوة إلى تنويع مصادر الدخل الذي كان من أهم البنود التي تضمنتها الخطط الخمسية منذ صدورها في بداية السبعينيات، لكن الوفرة المالية التي كان يؤمنها النفط حالت دون ذلك، أما المرحلة الحالية فتحتم التوجه بقوة إلى تنويع مصادر الدخل حتى لا نكون أسرى سلعة واحدة ناضبة ومنها الإجراءات الآتية: أولاً. تنويع مصادر الدخل: الدولة بكل مؤسساتها المالية والاقتصادية والتعليمية والقضائية، ووزارة الاقتصاد والتخطيط تضع الخطط الخمسية ولكن لا يتحقق الكثير من بنودها بسبب عدم تبنيها من قبل الوزارات التنفيذية الأخرى، فكل وزارة لديها ميزانية سنوية توزع على البنود الأربعة، أما أهداف الخطط الخمسية فليست من ضمن تلك البنود. والوضع الحالي يحتم أن يكون تنويع مصادر الدخل على سلم أولويات وزارة المالية وكل الوزارات والهيئات التي لها علاقة بالاقتصاد، ومما يسهم في نجاحه وجود مجلس الاقتصاد والتنمية الذي يرأسه صاحب السمو الملكي ولي ولي العهد وزير الدفاع، ما يعطي الخطط قوة ونفوذاً ومتابعة تذلل كل العقبات الإدارية والمالية، ودراسات تنويع مصادر الدخل موجودة في مجلس الاقتصاد الأعلى السابق وفي كل الندوات التي عقدت ومنها منتدى الرياض الاقتصادي، لكن أغلب تلك التوصيات تنتهي بانتهاء الدراسة أو بعد كتابة توصيات المنتدى ومغادرة المجتمعين. ثانياً. المملكة حباها الله شرف وجود المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة وتعتز بخدمة زوارهما من معتمرين وحجاج وللمزيد من الرقي بالخدمات لابد من إدخال عامل الاقتصاد ضمن الخطط، فالسياحة بكل أنواعها من أهم مؤشرات قوة اقتصاد الدول ومن أهم وسائل خلق الوظائف المجدية لأبناء البلد، وحين ننظر إلى بلد مثل دبي يستقبل مطاره كل عام سبعين مليون مسافر ناهيك عن مطار آل مكتوم الذي سيستقبل حوالي مئة وعشرين مليون راكب سنوياً، نعرف مدى الفوائد الكثيرة التي يكسبها اقتصاد البلد من المسافر حال ركوبه خطوط تلك الدولة ثم وصوله إلى المطار وحتى مغادرته، وكلما ارتقت الخدمات التي تقدم للزائر زاد رضاه وزاد صرفه. وتتمتع المملكة بمواقع سياحية كثيرة لا تتوافر لكثير من الدول لذا علينا أن نركز على السياحة بأنواعها كبناء مدن سياحية على غرار المدن الصناعية في كل من جازان والعقير ومدائن صالح وفي الجنوب وفي وسط المملكة من المدن التراثية القريبة من الرياض. ثالثاً. من أهم شروط قيام اقتصاد قوي واستمراره هو العناية بالانسان والاستثمار في تعليمه وفي صحته والانتقال به من البطالة والفقر إلى جعله منتجا، ما يعني بناء الشركات الكبيرة التي تحول الخامات المعدنية والبتروكيماوية إلى صناعات تحويلية وتأسيس شركات خدمات ترتقي بالخدمة المقدمة للمواطن، وتشجيع المؤسسات الصغيرة التي تديرها الأسر لتصبح منتجة فتتولى الكثير مما تقوم بع العمالة في هذا الوقت، وتمكين المرأة من المشاركة في بناء الاقتصاد وتنويعه، فما المانع من السماح لسيدة أن تتولى بنفسها البيع والشراء، أو إدارة مقصف مدرسة، يساعدها في ذلك بقية أفراد الأسرة، العمل الشريف هو الضامن الحقيقي لمكافحة الفقر والبطالة والابتزاز، وتقليل عدد المعتمدين على الضمان الاجتماعي والجمعيات الخيرية. الاقتصاد القوي الذي أساسه التنوع في الانتاج والتصدير والتركيز على الأبحاث والتطوير، هو أساس استمرار قوة المملكة الاقتصادية والعسكرية المحترفة التي تدافع عن مصالح المملكة وجيرانها، وهو أساس تماسك الجبهة الداخلية ومحاربة الفقر والبطالة والرقي بالخدمات.
مشاركة :