المتناقضات في فلسفة نيتشه

  • 1/28/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عندما نتحدث عن فريدريك نيتشه (1844-1900) فنحن نتحدث عن أديب وفيلسوف وعالم، ساخر وجدي في آن واحد، يحاول أن يأتي بذاته القلقة إلى عدة عوالم يرجو منها أن تسعفه إلى عقل يحترمه في نهاية المطاف، يحاول بشتى الطرق الممكنة وغير الممكنة أن يلجأ إلى وحدة تؤهله إلى سلام داخلي وخارجي فمثلاً: يطالب بوحدة الكنائس آنذاك على اختلاف مذاهبهم فيقول «يتوجب على البشر تشكيل غايات مسكونية» [إنسان مفرط في إنسانيته 145] فمن يرى هذه المطالبة سيتوقع أن هذا الفيلسوف كغاندي في سلامه ويجب علينا أن نضعه سفيراً للنوايا الحسنة بينما في موضع آخر يؤكد نيتشه على ضرورة الحرب وإن كان هناك (سلام) فيجب أن ننظر له بأنه لا يعدو أن يكون فترة للاستراحة من قذائف المدافع والعودة إليها في أقرب وقت «أحبوا السلام كوسيلة لتجديد الحروب. وخير السلام ما قصرت مدته ... تقولون إن الغاية المثلى تبرر الحرب، أما أنا فأقول لكم إن الحرب المثلى تبرر كل غاية» [هكذا تكلم زرادشت 83،84] ويرى كذلك أن الشك والريبة من صفات العالم المتجرد الذي يجب عليه أن يحارب (الدوغماتية) بشتى أصنافها «يتطلب العلم شكاً وريبة» [إنسان مفرط في إنسانيته144] وهذا ما جعل نيتشه كائناً قلقاً يلفظ الأيدلوجيا وفروعها المتعددة، فيصل إلى مرحلة ما لا يرى بها مسعف من هذه التصورات إلا الجنون والجنون وحده، هي حالة التعالي على العقل، ولا نتعالى عليه إلا بالخروج عليه وبالخروج عليه نسمى مجانينا [تبجيل الجنون، إنسان مفرط في إنسانيته 156] وبذلك يكون نيتشه رافضاً لكل تصور مسبق عن طبيعة معينة أو تصور معين رغم أني أرى أن فريدريك نيتشه وقع في هذا الوحل غير مرة بقوله مثلاً «خلق الرجل للحرب وخلقت المرأة ليسكن الرجل إليها» [هكذا تكلم زرادشت 109] فهو بهذا حصر الرجل بعقلية الإنسان البدائي، فالرجل ليس إلا محارب يدافع عن حضارة، فإن كان نيتشه يقصد بالحرب حرب الأسنة والرماح فهذا اختزال سيء وينم عن خطأ تأويلي لطبيعة حياة الرجل وإن كان يقصد الحرب بشكل عام، كمحاربة الظروف والواقع للوصول إلى ما يريد أن يصل إليه فالمجال واسع بهذا، وبالتعقيب على جزئية المرأة فهي غير قابلة للهرومنطيقيا بأي شكلٍ من الأشكال، النص واضح بأنه يختزل كل ما تقوم به المرأة بحياتها ليس إلا للرجل، إن نظرنا لها بنظرة معاصرة ستكون نظرية نيتشه رجعية جداً وموغلة بالدوغماتية ربما يكون نيتشه أنموذجاً لكل باحث، تؤكد كتاباته على نسبية الصواب والخطأ، نجد تارة أنه يستحسن ذلك الشيء وتارة يستحسن نقيضه، ولكن حتى وإن اختلفنا مع ما يكتب نيتشه، يبقى قلماً صادقاً لا يحابي الساسة والشعوب والأفكار والقضايا، كتب ما ظنه صواباً آنذاك وترك الحكم لمن يأتي بعده.

مشاركة :