ألقى الرئيس محمود عباس، بإعلان نيته الاستقالة، حجراً كبيراً في مياه القضية الفلسطينية الراكدة منذ فترة من الوقت، فسارعت أطراف عدة، دولية وإسرائيلية وعربية، للاتصال به ومحاولة ثنيه عن قراره. ويقول مقربون من الرئيس عباس إن السبب الرئيس وراء إعلان رغبته الانسحاب من الحياة السياسية يعود إلى انسداد أفق الحل السياسي، وإنه قد يعدل عن نيته في حال حدوث تدخل دولي فاعل لإعادة إحياء العملية السياسية على أسس جديدة تقود إلى إنهاء الاحتلال. وأبلغ الرئيس عباس الهيئات القيادية الفلسطينية في اجتماعاتها الأخيرة أنه لن يرشح نفسه للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في الانتخابات التي ستجري في الدورة المقبلة للمجلس الوطني في 14 الشهر الجاري، ولا للجنة المركزية لحركة «فتح» في الانتخابات التي ستجري في مؤتمر الحركة في 29 تشرين الثاني (أكتوبر) المقبل، وأنه سينسحب لاحقاً من رئاسة السلطة بعد الاتفاق على بديل له. وقال عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» محمد المدني لـ «الحياة»، إن الرئيس ابلغ رغبته هذه لكل من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني. وتلقى عباس نهاية الأسبوع اتصالاً من وزير الخارجية الأميركي جون كيري حضه فيه على البقاء على رأس السلطة الفلسطينية. كما تلقى اتصالات ونصائح مماثلة من أطراف دولية وعربية وإسرائيلية وفلسطينية. وأبلغ عباس الهيئات القيادية الفلسطينية أنه وقد بلغ الثمانين من عمره، وفي ظل انغلاق الأفق السياسي، وانسحاب الإدارة الأميركية من العملية السياسية، وانشغال العالم العربي بقضاياه المتفجرة في كل مكان، واستمرار الانقسام الفلسطيني، فإنه آثر الانسحاب تدريجاً وإفساح المجال أمام قيادة جديدة. وقال مسؤول رفيع لـ «الحياة»: «الرئيس عباس يريد الانسحاب بعد إعادة بناء مؤسسات الشعب الفلسطيني عبر إجراء انتخابات للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وإجراء انتخابات للجنة المركزية لحركة «فتح»، ثم للسلطة الفلسطينية». وأضاف: «الرئيس سينسحب تدريجاً من مناصبه رئيساً لمنظمة التحرير و «فتح» والسلطة الفلسطينية عبر انتقال سلس للسلطة. لكن العديد من السياسيين الفلسطينيين يرون في خطوة الرئيس عباس هذه مناورة أخيرة لإعادة جلب الاهتمام الدولي للقضية الفلسطينية. وقال أحد المسؤولين في قيادة المنظمة: «الرئيس يريد للأطراف الفاعلة في السياسة الدولية أن تعود إلى الاهتمام بالموضوع الفلسطيني مجدداً». وأضاف: «الرئيس بخطوته هذه يحذر هذه الأطراف من حدوث الانهيار والفوضى». وقال عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» الدكتور محمد أشتية، إن الفلسطينيين يتوقعون من الرئيس باراك أوباما، بعد الاتفاق مع إيران، إعادة إحياء الجهود السياسية لحل القضية الفلسطينية. وأضاف: «لكن حل القضية الفلسطينية يتطلب مقاربة جديدة، فالمفاوضات الثنائية لم تعد ممكنه بعد أن استخدمتها إسرائيل على مدار عقدين من الزمن غطاء لمشروعها الاستيطاني الهادف إلى إقامة دولة يهودا في الضفة الغربية». ودعا الرئيس الأميركي إلى المبادرة والإعلان عن اعتراف أميركا بدولة فلسطين على حدود عام 1967 في خطابه في الدورة المقبلة للأمم المتحدة الشهر الجاري. وأضاف: «أميركا تعترف بحل الدولتين على حدود عام 1967، ولا تعترف بضم إسرائيل للقدس ولا بالمستوطنات، لذلك فإن اعترافاً أميركياً بدولة فلسطين على حدود عام 1967 قد يفتح الطريق أمام حل سياسي يقوم على عقد مؤتمر دولي للسلام ووقف الاستيطان»، معتبراً أن ذلك المدخل الوحيد للحل السياسي.
مشاركة :