انحسرت الاحتجاجات العنيفة التي هزت الأردن على مدى العامين الماضيين بصورة كبيرة، لكن إعلان ناشطين في الحراك الشبابي الأردني لجوءهما السياسي إلى بلدين أجنبيين أثار جدلاً واسعاً في الشارع الأردني. وتسبب الإعلان النادر وغير المسبوق بإلقاء حجر في بئر السياسة الأردنية الراكدة، على حد وصف العديد من المعلقين السياسيين. وما من شك في أن إعلان أولى حالات اللجوء السياسي لناشطين أدى إلى انقسام الآراء بين معارض لهذه الفكرة وبين متفهم لظروفها وأسبابها، وهو ما عكسته سجالات متواصلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي استمرت خلال الأيام القليلة الفائتة. وتسارع الجدل في خصوص فكرة اللجوء السياسي لنشطاء من الحراك الأردني بعد إعلان الناشط السياسي والصحافي الشاب علاء الفزاع، عبر صفحته الخاصة على موقع فايسبوك، لجوءه إلى السويد، بسبب ما قال إنه «الاضطهاد والتضييق الذي تعرض إليه». وجاء لجوء الفزاع، بعد أسابيع قليلة فقط على إعلان الناشط في الحراك الشبابي عدي أبو عيسى، وعبر صفحته الخاصة أيضاً على موقع فايسبوك، أنه لجأ سياسياً إلى تركيا، مبرراً ذلك بـ «التعرض للاضطهاد والقمع» بسبب نشاطه السياسي، على حد قوله. وطويت صفحة اللجوء السياسي في الأردن بعد هبّة نيسان التي شهدتها مدينة معان الجنوبية عام 1989 وﻣﺎ تلاها ﻣﻦ ﺗﺤﻮﻻت دﻳﻤوﻘﺮاطية ﻓﻲ عموم البلاد، حيث ﺗﻼﺷﺖ ظاهرة اﻟﻤﻌﺎرﺿﺔ اﻷردﻧﯿﺔ من اﻟﺨﺎرج، وﻣﻦ ﻛﺎﻧﻮا ممنوعين ﻣﻦ دﺧﻮل المملكة ﻋﺎدوا إليها. يقول الفزاع: «لقد دفعت ثمناً باهظاً لمعارضتي الجريئة». ويضيف: «لم أغادر الشارع منذ اليوم الأول لولادة الحراك، وكنت حريصاً على التواجد دائماً، في وقت لم يجرؤ فيه من ينتقدني الآن بسبب لجوئي، على المشاركة في الفعاليات الاحتجاجية». وكان الفزاع اعتقل في وقت سابق بتهمة «العمل على تغيير الدستور» و «الإساءة إلى مؤسسة العرش». واعتقل الفزاع على خلفية شكوى تقدم بها وزيران سابقان هما نبيل الشريف ومحمد عبيدات إثر نشره اسميهما ضمن أعضاء مجموعة على موقع فايسبوك تطالب بإعادة تعيين الأمير حمزة بن الحسين ولياً للعهد. وكان الملك عبد الله الثاني عين في شباط (فبراير) 1999 الأمير حمزة نجل الملك الراحل حسين والملكة نور، ولياً للعهد «بناء على رغبة الملك حسين». وبعد خمسة أعوام أعفى العاهل الأردني الأمير حمزة من المنصب ليصبح أكبر أبنائه الأمير حسين ولي عهده بحكم الأمر الواقع، ليسميه رسمياً ولياً للعهد لدى بلوغه الخامسة عشرة عام 2009. وهناك اختلاف كبير بين حال أبو عيسى وحال الفزاع، الذي يتحدر من إحدى القرى الأردنية ويتبنى خطاباً معادياً للمعارضة الإسلامية، الأكبر في البلاد، ولما يعتقد أنها حملة لتجنيس الفلسطينيين على الأرض الأردنية تقودها زوجة العاهل الأردني الملكة رانيا العبد الله التي تتحدر من مدينة نابلس الفلسطينية، وهي حملة افتراضية ليس لها أي وجود على أرض الواقع. وكان الفزاع أﺳﺲ ﻣﻊ آﺧﺮﻳﻦ ﺣﺰﺑﺎً ﺳﯿﺎﺳﯿﺎً، وﺧﺎض اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎت النيابية الأخيرة ﻋﻠﻰ ﻗﺎﺋﻤﺔ أطلقوا عليها اسم «أﺑﻨﺎء الحراثين» ضمت العديد من الشباب المهمشين، لكنها أخفقت في الوصول إلى تحت قبة البرلمان. وقد واﺟﻪ اﻟﻔﺰاع، وفق الباحث والمعلق السياسي فهد الخيطان، ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻞ ﻻﺋﻖ ﻳﺤﻘﻖ ﻟﻪ متطلبات الحياة اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ، ﻟﻜﻦ أزﻣﺘﻪ ﻟﻢ ﺗﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ هذا اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟمهم، ﺑﻞ وﺟﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟهة قضائية ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﻀﺎﻳﺎ كثيرة ﻣﺜﺎرة ﺿﺪه، وأﺧﺮى ﺟﺮى نبشها ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ. ووفق الخيطان، الذي يعرفه عن قرب، ﺑﺪا اﻟﺮﺟﻞ ﻳﺎﺋﺴﺎً ﻓﻲ اﻷﺷهر الأخيرة، وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻧﺎﻗﻤﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟﺔ. أما أبو عيسى، فهو شاب عشريني يتحدر من أحد المخيمات الفلسطينية في محافظة مادبا القريبة من العاصمة عمان، وكان يعاني وعائلته الفقر المدقع. وتعرض لاستقواء الدولة بعد أن أقدم في عز موجة الربيع العربي على إحراق صورة العاهل الأردني أمام إحدى الدوائر الحكومية، وتعرض للاعتقال، لكنه خرج بعفو ملكي خاص. ويقول قريبون منه إنه بات يفتقر إلى حاضنة سياسية، سواء في المعارضة أو في النظام السياسي، وذلك بعد إقدامه على تصرف لا يحظى بتأييد داخل المجتمع الأردني. يقول أبو عيسى إن لجوءه إلى تركيا سببه «الخشية من المحاكمة العسكرية». ويضيف: «كنت أنتظر جلسة المحاكمة وقرار الحكم»، بعدما استؤنفت محاكمته، واتهم بـ «إطالة اللسان»، والتحريض على التجمهر. ويتابع: «تعرضت للتعذيب والاعتقال بسبب آراء سيــــاسية»، متعهدا بتعرية ما قال إنها «كل الممارســـات التي تتنافى مع القانون الدولي وحقوق الإنسان». ويستطرد بالقول: «لقد حرمت من إكمال دراستي الثانوية، وتعرضت للتضييق كلما وجدت وظيفة، وكذلك تعرضت لتهديدات بالقتل والإيذاء». وينفي وزير بارز في الحكومة الأردنية تعرض الناشطين السياسيين في بلده إلى القمع والاضطهاد، ويقول إن كلاًّ من أبو عيسى والفزاع «غير مطلوبين أمنياً، وغير محكومين بأي تهمة، وبالتالي لا تنطبق عليهما صفة اللجوء السياسي». ويضيف: «الكل يعلم أن النظام الأردني لم يكن في يوم من الأيام نظاماً دموياً. شباب الحراك لم يتعرضوا أبداً لأي نوع من القمع». في المقابل، يرى الكاتب والمعلق السياسي، ياسر أبو هلالة، أنه لو فتح باب اللجوء السياسي إلى الخارج في أي دولة عربية «فإن المطارات لن تتسع لآلاف الشباب الباحثين عن متطلبات الحياة الكريمة». ويقول: «لو أجري استطلاع علمي في الأردن، فإن شعور الاغتراب سيطغى على شعور الشباب الأردني. الاكتفاء بالقول إن النظام الأردني نظام متسامح وغير دموي لا يكفي لصناعة انتماء. أحياناً قسوة النظام الناعمة تجاه معارضيه تشكل دافعاً لمغادرة البلاد». وثمة من يرى أن كثيراً من الناشطين الأردنيين بدأ ﻳﻔﻜﺮ جدياً باللجوء خارج الوطن، ﺟﺮاء ﺣﺎﻟﺔ اﻹﺣﺒﺎط واﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻧﺴﺪاد اﻷﻓق. وكانت السلطات الأردنية بدأت منذ فترة تنفيذ حملة أمنية صارمة هدفها، كما يبدو، تقليم أظافر «الحراك» الذي ولد من رحم «الربيع العربي»، وظهر في الشارع على شكل كيانات عشائرية وإسلامية وعلمانية، للمطالبة بإصلاحات واسعة وتعديلات جذرية على الدستور من شأنها المس بالعائلة المالكة. وبدأت حملة الاعتقالات عقب إطاحة النظام الإسلامي في مصر في الثالث من تموز (يوليو) الماضي، ومع انخفاض جاذبية الانتفاضات العربية، وزادت وتيرتها خلال الفترة القليلة الماضية، وأودع السجون العديد من الحراكيين الشباب.
مشاركة :