لا حديث هذه الأيام، إلا عن الانتخابات البلدية بكل تفاصيلها وتداعياتها وتأثيراتها. مفردات وعبارات وأسئلة، تحضر بقوة وكثافة في بيوتنا ومكاتبنا وإعلامنا، وتحوّل المشهد الوطني بين يوم وليلة إلى "مجلس بلدي" يضم كل مكونات وتعبيرات المجتمع، وأصبحت مفردات كقيد ومرشح ومنتخب وصوت ودائرة، وعبارات كلجنة انتخابية ومشاركة المرأة وتعديل سن الناخب والمراكز الانتخابية، وأسئلة مثل ما هي الصلاحيات الجديدة للمجالس البلدية؟ وما مدى قناعة المواطن البسيط بهذه المجالس؟ وماذا حققت المجالس البلدية السابقة؟ وغيرها الكثير من المفردات والعبارات والأسئلة، هي الأكثر تداولاً وخلافاً وجدلاً ولغطاً، سواء على صعيد المواطنين البسطاء أو بين أوساط النخب والمهتمين بالشأن العام. تُعتبر الانتخابات البلدية العامة التي ستجري في ديسمبر القادم، النسخة الثالثة في تاريخ المجالس البلدية الوطنية، إذ سبقتها انتخابات و. وتجربة المجالس البلدية في السعودية ليست جديدة، بل هي قديمة وأنشئت في فترة مبكرة جداً، ولكنها لم تكن عامة كما هي الحال في التجارب الثلاث الحديثة. ويُعتبر المجلس البلدي بمكة المكرمة والذي أقر بأمر الملك المؤسس عبدالعزيز في عام ، هو أول مجلس بلدي بتاريخ السعودية، وقد جاء في خطاب الملك عبدالعزيز بشأن هذا المجلس ما نصه: "أريد من الهيئة التي ستجتمع لانتخاب الأشخاص ان يتحروا المصلحة العامة ويقدموها على كل شيء فينتخبوا اهل الجدارة واللياقة الذين يغارون على المصالح العامة ولا يقدمون عليها مصالحهم الخاصة ويكونون من أهل الغيرة والحمية والتقوى، ولا أريد أوهاماً وانما اريد حقائق، اريد رجالا يعملون، فإذا اجتمع اولئك المنتخبون وأشكل علي امر من الأمور رجعت اليهم وعملت بمشورتهم وتكون ذمتي سالمة من المسؤولية، واريد منهم أن يعملوا بما يجدون فيه المصلحة". وامتدت التجربة الأولى، لتشمل أغلب المناطق والمدن السعودية، ولكنها لم تكن بصيغة عامة، بل بشكل خاص يتناسب مع طبيعة ووضع تلك المناطق والمدن. وتُمثل الدورة الانتخابية الجديدة خطوة واسعة للأمام، وباتجاه بناء المجتمع بمشاركة جميع فئاته وشرائحه. ومن أبرز الإضافات والتعديلات والتحديثات التي أقرها نظام المجالس البلدية في هذه الدورة، رفع نسبة أعضاء المجالس البلدية المنتخَبين من النصف إلى الثلثين، وخفض سن القيد للناخب من عاماً إلى عاماً، ومشاركة المرأة كناخبة ومرشحة، والتوسع في صلاحيات المجالس البلدية، ورفع مستوى التأهيل التعليمي للمرشح لعضوية المجالس البلدية إلى مؤهل الثانوية العامة بدلاً من "يقرأ ويكتب". المجالس البلدية، هي أهم الإجراءات الإدارية والأجهزة الرقابية والوسائل الفاعلة في إحداث تنمية شاملة ومستدامة في الوطن. كبيرة وكثيرة، هي الطموحات والتطلعات والآمال التي يُعلّقها المواطن البسيط على هذه المجالس التي لم تحظ بعد بثقته وقبوله ورضاه، كتحسين الخدمات وتذليل العقبات ومحاربة البيروقراطية وتلمّس الاحتياجات ومتابعة المقترحات ورفع الشكاوى والإشراف على الميزانيات والمشروعات وغيرها من الخدمات والاحتياجات والمقترحات التي يحملها المواطن البسيط الذي يُريد من هذه المجالس البلدية أن تكون صوته المسموع لدى المسؤولين وصنّاع القرار. عشر سنوات من عمر المجالس البلدية، لم تستطع خلالها أن تُقنع شريحة عريضة من المواطنين، بل ومن النخب والمعنيين بهذا الاستحقاق التنموي المهم. نعم، الطموحات والتطلعات والوعود التي ينتظرها المواطن على امتداد الوطن من هذه المجالس البلدية كثيرة وكبيرة، ولكنها بحاجة لأن تكون حقيقة على أرض الواقع.
مشاركة :