ينتشر في وسائل التواصل أخبار سياسية واقتصادية واجتماعية وللأسف هناك من يصدقها ويتطوع لنشرها أيضاً، وبالتالي تؤدي إذا لم تصحح فوراً الى قناعات وتوجهات شعبية، ويكون تأثيرها على المجتمع وعلى متخذ القرار كبيراً، كما هو حاصل الآن في بلادنا العزيزة في ظل سكوت الحكومة عما ينشر في الشؤون المحلية. قال بعض الفقهاء: من اشتغل بغير فنه (تخصصه) أتى بالعجائب، وفي زمن "تويتر" و"الواتساب" نشاهد بالفعل هذه العجائب التي تنشر من غير المتخصصين في مختلف الفنون والعلوم، وآخر ما وصلني من هذه العجائب رسائل فيديو عن بئر في أحد الأرياف العربية تدعي هذه الرسائل أنها البئر التي ألقي فيها نبي الله يوسف، وقبلها رسائل فيديو عن أحد الكهوف من أكثر من مصدر (تركيا وبعض البلاد العربية) يدعي جميع من أرسلها أن الكهف الذي نام فيه أهل الكهف موجود في بلادهم، وواضح أن الغرض من هذه الرسائل هو جلب السياح، خصوصاً الذين يعتقدون أن لهذه الأماكن فضلاً دينياً، وهذا بالطبع غير صحيح، فلم يخبرنا النبي، صلى الله عليه وسلم، عن أي فضل أو أجر في زيارة هذه الأماكن، علماً أن أماكنها مجهولة وغير معلومة ومنسية من آلاف السنين، ولكن هناك من يستغل بسطاء الناس في نشر هذه الخرافات وجذب السياح بعد أن أصبحت أجهزة الاتصال والنشر متاحة للجميع بلا حسيب أو رقيب. وبالمثل لم يتوان أدعياء مهنة الطب عن نشر المقاطع التي يصفون فيها كيفية علاج كل الأمراض من المفاصل وحتى العجز الجنسي وكورونا، وكذلك الأمر في الشؤون الداخلية، فقد شاهدنا آلاف المقاطع التي تنشر الأعاجيب والأخبار غير الصحيحة، فهناك من ينشر أن عجز الميزانية عبارة عن كذبة، وآخر يدعي أن آلاف الكويتيين مسجونون بسبب القروض، وهناك من يزعم أن الكويتي ممنوع من العمل خارج أوقات الدوام الرسمي للوزارات، في حين يُسمح للوافد، وهناك من يدعي أن الكويتي خريج كلية العلوم لا يُوظف كمعلم في مدارس الكويت، في حين يتم توظيف الوافد وغير ذلك الكثير، وكلها أكاذيب قد يكون المقصود منها حب الشهرة أو التكسب أو التحريض على النظام أو غيرها من الأهداف. وفي السياسة المحلية تُستغل وسائل التواصل في نشر الصراع بين الخصوم مثل الاتهام بالفساد والعمالة لأطراف معينة والفضائح والتجاوزات والانتقام من الآخر، وكذلك التشويه المتعدد الأشكال والوجوه للحكومة أو لأشخاص معينين فيها. ومثل قصة ذلك الكهف الموجود في أكثر من بلد، وبئر يوسف المزعومة، تجد للأسف هذه الأخبار السياسية والاقتصادية والاجتماعية من يصدقها ويتطوع لنشرها أيضاً، وبالتالي تؤدي إذا لم تصحح فوراً الى قناعات وتوجهات شعبية، ويكون تأثيرها على المجتمع وعلى متخذ القرار كبيراً، وأحياناً مدمراً كما هو حاصل الآن في بلادنا العزيزة في ظل سكوت الحكومة وعدم بيانها الصواب والخطأ مما ينشر في الشؤون المحلية. ولكن بالعودة الى أحكام الشريعة الإسلامية يمكن معرفة الدليل الصحيح للتعامل مع محتويات وسائل الاتصال التي تصل إلينا، ومن أهم قواعد هذا الدليل بالإضافة طبعاً إلى ما هو معروف من المحرمات الواضحة والمواقع الإباحية: أولاً: أن أول المكلفين ببيان الحقائق حول صحة كل ما ينشر هم الأجهزة الحكومية، إذ إن عليها أن تحافظ على وحدة الوطن واستقراره وضرورة انسياب المعلومات الصحيحة إلى الجماهير، ولا يجوز للحكومة إهمال وعدم تفنيد ما من شأنه أن يغرق المجتمع بالأكاذيب أو بالتحريض في وسائل الاتصال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكل راع مسؤول عن رعيته"، وقوله "إنما الإمام جُنّة يُقاتل من ورائه ويُتقى به". ثانياً: على من يرسل أي معلومة أن يتقي الله، فيتأكد من صحتها وأنها صادرة من جهة رسمية أو علمية موثوقة، ولا يجوز نشر أي معلومة مسيئة تصل من جهة مجهولة أو وهمية لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع". ثالثاً: لا تصدق كل ما يصلك من أخبار أو معلومات، خصوصا في مجال الاقتصاد والمال في بلدك قبل عرضها على المتخصصين، وذلك لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: "ألا سألوا إذا لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال". رابعاً: تجنب تصديق أو إعادة إرسال المواد التي تحتوي على تعريض بحرمة الأشخاص أو الطعن في كرامتهم أو نزاهتهم دون حكم قضائي فحرية المدون أو الناشر تقف عند حدود حقوق الآخرين وخصوصياتهم وكرامتهم، وذلك لأن النبي بين أن حرمة المؤمن أعظم عند الله من حرمة الكعبة. خامساً: ابحث عن الحقيقة كاملة وعن الرأي الآخر لأن بعض الخصوم ينقل أو ينشر أخباراً منقوصة أو كلاماً مجتزأً عن خصومه، فعلى المتلقي الحصيف أن يرجع إلى الرأي الآخر ويستوعب كلامه كاملاً، فلا تحكم لشخص عينه مفقوءة فلعل خصمه قد فقئت عيناه. سادساً: يمكن للسياسيين طرح ما يصلهم من أخطاء أو تجاوزات عبر وسائل الإعلام، ولكن يجب أن يكون ذلك بأسلوب السؤال والاستفهام، أي دون الاستعجال بالتصريح بصحتها أو إدانة أصحابها، مع ضرورة مطالبة الأجهزة الرسمية بسرعة الإفادة عن صحتها، وكذلك توجيه الأسئلة عنها من خلال أعضاء مجلس الأمة حتى يتم التأكد من قيام المجلس بواجبه نحوها في حال ثبوت صحتها لكي لا يتضرر أحد أو عائلة من نشر معلومة يدعي من نشرها أنها حقيقية، في حين يثبت لاحقاً عدم صحتها، وذلك لقول الله تعالى: "فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ". • كلمة أخيرة: رحم الله الأستاذ الدكتور أحمد بدر، وكنت قرأت كتابه القيم والمفيد "الدعاية الدولية والتأثير على الجماهير"، عندما كان مدرساً في جامعة الكويت في فترة السبعينيات، وأرى أن ما كتبه قبل نصف قرن ينطبق على حالنا اليوم.
مشاركة :