فاتت سنوات طويلة منذ انطلاق النقاش "البيزنطي"، والمتمثل في المقارنة بين الإعلام التقليدي والجديد، إن صح وصفه بذلك، ورغم أن الأحداث والتقنيات والدراسات، وحتى المعطيات، تجاوزته كثيرا، إلا أن "ربعنا" - في الوطن العربي - لا زالوا يكررونه، ويعتبرونه حديث الساعة، رغم كل المتغيرات. عند الحديث عن ذلك، فلا بد من الإشارة إلى أن الحقل الاتصالي والإعلامي في تغير مستمر، بشكل متسارع، ولم يستقر على شيء منذ سنوات، وحتى الدراسات الغربية لم تتفق على أساسيات ونظريات "ثابتة"، وإنما لا زال في طور التشكل والنضوج، والاستجابة ل"مزاج" المتلقي، الذي بات العنصر الرئيس في هذه العملية. وحتى نصل لأرضية ثابتة، متفق عليها علميا، هذه بعض الرؤى - من وجهة نظري الخاصة - التي أعتقد بأهميتها، من خلال بعض المؤشرات في الحقل، وهي كالآتي: من المهم جدا، وكما نقول دائما، أن نفرق بين التأثير والانتشار، وذلك قبل أن نتحدث عن أيهما أكثر تأثيرا من الآخر، ثم بعد ذلك - وبعيدا عن الانطباعات الشخصية - فإن تحديد الأكثر تأثيرا يحتاج لدراسات متخصصة، ونحن نعلم جيدا أن دراسات التأثير من أصعب الدراسات الاتصالية، كما أن معرفة حجم التأثير الحقيقي على المتلقي تحتاج إلى أدوات بحثية ومسحية حتى نتوصل لنتائج يمكن الاعتماد عليها وتعميمها.. لذلك، فإن هذا الموضوع ما زال محل بحث، وأخذ ورد بين علماء الاتصال الجماهيري في العالم. من المفترض ألا نغفل أن أدوات الصحافة والإعلام ثابتة، مهما تغيرت المنصة أو الوسيلة، وهذا يمكّن ما يعرف ب"الإعلام التقليدي" من التمدد ليصبح "جديدا"، ما يعني أنه ليس بالضرورة أن تختفي إحداها، فيمكن التطور والتحديث، والتمدد. يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن حجم التأثير يختلف من بلد لآخر، ومن جمهور لجمهور، ومن مجتمع لآخر، وحتى المنصات الحديثة، كالشبكات الاجتماعية مثلا، تختلف أهميتها من بلد لآخر، ف"فيس بوك" يعتبر الأهم في مصر، و"تويتر" في السعودية، و"انستقرام" في الكويت، وغير ذلك، لذلك يفترض مراعاة ثقافة واهتمامات وظروف كل بلد، قبل تحديد ماهية التأثير، وأن يكون لكل بلد طريقته ونظرياته وقنواته. هناك فهم سائد، عبر اللاوعي، يتمثل في حصر الإعلام التقليدي بالصحف الورقية، وهذا غير دقيق، فوسائل الإعلام التقليدية متعددة، وبعضها لا زال مهماً، وخاصة التلفاز، الذي ذكّرت بعض الدراسات الحديثة بأهميته، ولا زال يحتفظ بأسعار الإعلان المرتفعة، كما نجح، في بلد مثل السعودية، بجذب البارزين في المنصات الرقمية الحديثة إليه، ونقلهم من المنصات الرقمية للتقليدية. من الواجب أن نراجع بعض النظريات الاتصالية، وخاصة الشهيرة منها، حتى نتأكد من فاعليتها، وكذلك تأثيرها، كنظرية "حارس البوابة"، والتي تعني العملية التي من خلالها يتم تصفية المعلومات لإعلانها، سواء بالنشر أو الإذاعة أو الإنترنت أو من خلال أية وسيلة اتصال أخرى. هذا بعض من كل، وزوايا محدودة من عالم متشعب، ولكن من الضروري أن نأخذ بعين الاعتبار أنه لا ثوابت في هذا العلم، والأشياء قد تتغير قبل موعد نشر هذه المقالة! والسلام
مشاركة :