لم يكن حدثاً عادياً ما حصل في منى، إذ أن الأمر له أبعاده المختلفة، منها السياسية والتنظيمية وغيرها، ولكل جانب منها متخصصون قادرون على الخوض في تفاصيله، وفي كل زاوية خطوط متشابكة كثيرة، لذلك سأركز في مقالتي هذه على جانب واحد، لا يتعلق في هذه الحادثة وحسب، وإنما متكرر دوما.. والمتمثل في التعاطي الإعلامي مع الأحداث. في كل مرة، نضطر أن نكون في مواجهة إعلامية مع جهات خارجية، أو حتى من خلال المواجهات المستمرة، نكتشف ضعف تأثيرنا على المتلقي "الخارجي"، وأتمنى أن أكون دقيقاً في هذا الوصف، فبالرغم من كافة الإمكانيات المالية والوسائل التقنية والموارد البشرية؛ إلا أننا لا زلنا نستخدم الطرق التقليدية في الخطاب، وبأدوات (محدودة) التأثير، ونخاطب الخارج بلغة الداخل، خاصة في زمن الانفتاح التكنولوجي، والتواصل المباشر. وحتى نعالج المشكلة، فلا بد من الإشارة إلى أن الخلل مشترك بين المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة، بل انني أميل للوم المؤسسات الخاصة أكثر، نظراً لاستقلاليتها الإدارية، وتحررها من بيروقراطية الإجراءات، ولتعدد منصاتها، وقوة تأثير المنتمين لها غالباً، ومع ذلك لا زالت الرسائل لا تتعدى مساحاتنا في معظم الأحايين. وهذه بعض الأمور التي أعتقد بوجوب الالتفات لها، من قبل المؤسسات الإعلامية: ماذا لو فكرت المؤسسات الإعلامية بخلق رسائل متنوعة، تبين بعض المعلومات الأساسية للحادثة، بلغات مختلفة، كالإنجليزية والفارسية والتركية، وتوضح الجهود السعودية في الحج (بشكل تفصيلي)، وتسد الطريق في وجه الارتجال المفتعل، والجهات التي تحاول أن تروج لمشاريعها، وتبثها في فضاءات عدة، وخاصة الرقمي منها، وتحديداً "تويتر".. ماذا لو دشنت - هذه المؤسسات - أذرعاً جديدة لمواقعها الإلكترونية، بلغات مختلفة، وخلقت له محتوى يحاكي الطريقة التي يحتاجها المتلقي، كلٌ بحسب لغته، وراحت تبني متابعين دائمين، تقول لهم الحقيقة في الأزمات لا سمح الله، بعيداً عن الحلول الآنية الوقتية، التي لا تبرح مكانها غالباً، لأن الثقة تبنى بشكل تراكمي، كما الانتشار في توزيع المعلومة ليس كفيلاً بمنحها الأهمية لدى المتلقي. ماذا لو تم افتتاح مراكز للدراسات الإعلامية (المتخصصة)، القادرة على نسج الرسائل بطرق علمية، وبأرضية واضحة المعالم، وفقاً لاحتياجات المتلقي، وبفهم كبير لمتغيرات المرحلة، وبتركز على تفكيك بعض المفاهيم المغلوطة، والتي يروج لها عبر حملات تسويقية احترافية مدفوعة، عبر طرق مختلفة، ولمجتمعات متنوعة. الأفكار متدفقة وغير منضبة، وهناك كثيرون لديهم أفكار أكثر، وأجمل.. ولكن الأهم هو إيمان هذه المؤسسات بالتغيرات الحاصلة في العالم الاتصالي، الذي لم يعد يعترف بالأشياء التقليدية، وإنما بالديناميكية والسرعة والتطوير المستمر، وهذا هو المنتظر دائما.. والسلام.
مشاركة :