المواقع المصرية ومتغيرات الشرق الأوسط: خطاب الاعتذار

  • 2/20/2021
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

خطاب الاعتذار عن أخطاء الماضى ممارسة دولية تمارسها الدول ذات  الحكومات المدنية المستقرة  لما لها تقاليد برلمانية عقلانية واضحة. وهى حتى الان ممارسة للدول والشركات الكبرى الغربية.   وهى صورة من صور الدبلوماسية العامة لهذه الدول  والشركات . فمثلا بشكل غير عادي ، أصدرت الحكومة البريطانية اعتذارًا عن الانتهاكات التي حدثت أثناء ما يسمى انتفاضة ماو ماو في كينيا: "تدرك الحكومة البريطانية أن الكينيين تعرضوا للتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة على يد الإدارة الاستعمارية".    الاعتذار الفردى والجماعى   يصر له قوة التحويلية  في قدرته على تغيير الهوية  التفاعليه وتساهم فى إعادة توجيه المسار .  هذا الاعتراف  وقبوله لابد ان يجرى بين الاصل دول مدنية.  فعنما أعتذر ، أفترض هويتين متضاربتين. أعترف بأنني من ارتكب الخطأ ، لكنني أيضًا أسن هوية سلوكية جديدة كشخص يدين هذا الخطأ ولن يكرره. في حركة مزدوجة مماثلة ، عندما أعتذر ، أعود بالزمن إلى الوراء حتى لا يظل المستقبل عالقًا في ذلك الماضي. الامر الذى يتطلب  وجود تأريخ حقيقى بين الطرفين له  وقائع محدده متفق  عليها وليست موهومة او دعائية.  فإذا أردنا أن  انتمتع بمستقبل ذى جودة عالية  لابد نكون منفتحين على افاق وإمكانيات جديدة ، وبالتالى نحتاج إلى الالتفاف ومواجهة الحطامى الذي تركناه في أعقابنا. يجب أن نعتذر عن دورنا في التدمير.  الكلمات وحدها لا تكفي. ولكي يكون الاعتذار فعالاً  يجب أن يشعر المخطئ بالندم الحقيقي ، وأن يتخذ إجراءات لتعويض الخسارة ، وأن يعد بعدم تكرار الخطأ. بعبارة أخرى ، إن فعل الكلام ، رغم ضرورته ، يجب أن يكون مصحوبًا بأفعال  اليد والقلب والعقل. ومع ذلك ، وكما علّم الفيلسوف موسى بن ميمون منذ حوالي 800 عام ، فلا يمكن للتوبة أن تؤدي عملها التحويلي إلا إذا اعترف المخطئ بالكلمات ، "بشفتيه ، ويعطي صوتًا لتلك الأمور التي حلها في قلبه". تبنت الأمم المتحدة فكرة موسى بن ميمون بأن التوبة التحويلية متعددة الأبعاد وتشمل الاعتذار. تصر مبادئ الأمم المتحدة بشأن التعويض عن انتهاكات حقوق الإنسان على أن التعويض عن الأخطاء الجسيمة ، مثل انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الدول ، تشمل الأشكال المادية للتعويض . الدول والشركات   ليست بشرًا. وبالتالى ليس لها اسف الباطني و عمق العاطفي والقدرات على الشعور والتعبير عنه . بدلا  من ذالك يكون اعتذارا علنيا من ممثل الدوله  وفيه يوافق على التعويض المنصوص عليه في الأمم المتحدة من خلال مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.   ومن خلال قرار إعلان المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية بشأن الحق في  الانصاف والجبر لضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان و الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني. يتم تعريف هذه العمليه أنها عملية تصالحية تهدف إلى الشفاء وتوليد التسامح من جانب الطرف المتضرر ، عن السلوك أو الفعل غير اللائق انسانيا للجاني. تتكون العملية من ثلاثة مكونات: الاعتراف بالخطأ ، والاعتراف بالمسؤولية ، وعمل الجاني للتعويض عن الأضرار الناتجة.   إلى جانب دور الشفاء وجلب الصفح من جانب الطرف المتضرر ، فإن الاعتذارات العلنية لها وظيفة استعادة صحة التفاعل الاجتماعي و الاعتراف العلني بالالتزام المشترك ببعض القيم الأخلاقية.  هذا يحدث بصرف النظر عن الحجج والمبررات عن طبيعة الأخطاء  ونطاقها وطبيعة الهوية الوطنية. عندما تتواطأ المجتمعات في أعمال عنف عنصري أو للعنف الديني ،  نجد هناك حتماً بنية تحتية اجتماعية للموافقة الضمنية تمكن الجناة الأفراد من العمل . قد تكون أيدي القلة هي التي تقوم مباشرة بالعمل غير المشروع ، لكن الكائن غير الشرعي الذي يسمح بأعمالهم  يتمتع  بالرضا المجتمعى الضمائرى. إن الأعمال الصغيرة الدنيوية المتمثلة في الإهمال والتبرير المريح تخلق الظروف التي يتم فيها السماح بالعنف ضد الشعوب المحرومة بمهارة ويصبح مسموحًا به. أما فيما يتعلق بالاعتراض على أننا لا نستطيع أن نلوم الناس اليوم على جرائم أسلافهم ، فهذه الحجج تخون سوء فهم  والقصد لما يعنيه الانتماء إلى أمة أو هوية وطنية.  فإلى جانب الامتيازات التي نرثها بموجب عضويتنا الوطنية  تأتي حتما التزامات مدنية. إن ادعاء الكبرياء الوطني ورفض العار القومي ليس فقط غير متسق انسانيا ، بل إنه غير أخلاقي أيضًا. يمكن أن يساعد التمييز بين الأبعاد المختلفة للخطأ  أي بين القيام بالخطأ والإذن به ، في توضيح أنواع الإجراءات التعويضية المبررة. في حين أنه من الخطأ والظلم أن ننسب الذنب إلى الأفراد عن أفعال لم يرتكبوها شخصيًا (بشكل مباشر أو غير مباشر) ، إلا أن مجرد تحميلهم المسؤولية عن دورهم في خلق الظروف التي يمكن أن يرتكب فيها المذنب تلك الأفعال. يتيح فهم درجات المسؤولية المختلفة أيضًا لمن يسعون إلى العدالة تحديد الأنواع المختلفة للإجراءات التعويضية المناسبة. قد يكون العقاب عندئذ مناسبًا للفاعلين الخاطئين. بالنسبة لأولئك الذين تكمن مساهمتهم في "الإخفاقات الأخلاقية" ، وفي تأييد القيم التي تتغاضى عن الخطأ ، فإن المطلوب هو العمل الذي سيغير قيمهم وان يظهر أن قيمهم قد تغيرت. هذا ما يفعله الاعتذار. ان الإمبريالية و الاستعمار ولدت ثروة لا يمكن تصورها سابقا، وضمنت تأسيس " الدول الكبرى". وفي الوقت نفسه ، دمرت الشعوب الأصلية واستأصلت معارفها. أتاحت الثورة الخضراء تحقيق مستويات غير مسبوقة من إنتاج الغذاء وخفضت الفقر بشكل جذري ، لكنها ألحقت أيضًا أضرارًا كبيرة بالتنوع البيولوجي وكشفت العديد من نسج الثقافة والزراعة المعقدة، لطالما انه  تم التشجيع على فقدان الذاكرة وعادات المحو المُحدد لذكره الناس. هذا يجرى فى دائما فى  النظام السياسيى مفتون بعظمة تصور  للمستقبل لدرجة أنه   مستعد للتضحية  بالبشر لتحقيق اغراضه . ومن الأمثلة على ذلك المواقف  العنصريه تجاه المهاجرين وطالبي اللجوء ، وعدم الرغبة في تغيير أنماط الحياة ، حتى عندما تتسبب في الانقراض الجماعي للأنواع الأخرى. لكن الماضي لم يكن شاعريًا أبدًا.  خطاب الاعتذار له مصدريين معرفيين اولهما روسو وثنيهما هيجل وكل منهما له مدرسته فى التفكير .  على ايه حال  ان خطاب الاعتذار يأتى فى  سياق الاعتراف بالكرامه الانسانيه. هنا نقصد بالكرامه هى كرامه المواطن العادى فى حقوقه وسلوكه الطبيعى المدنى وهذا ما اكدته المحكمه الدستويه العليا المصريه فى تفسيرها لمعنى الكرامه  الانسانيه.       فمع روسو توجد نواة فكرة كرامة المواطن والاعتراف، إذ يعدّ روسو ناقداً حاداً في حديثه عن عدم المساواة حين تبرز كلحظة مصيرية فينعطف المجتمع نحو الفساد والظلم، ويبدأ الناس بالرغبة بتفضيل الكرامة في المجتمع الجمهوري ،  حيث  يتمكن الجميع من المشاركة في ضوء المصلحة العامة.  هنا يمكن  النظر إلى روسو بوصفه واحداً من مؤسسي خطاب الاعتراف، ليس لأنه استعمل المصطلح، بل لأنه فكر بأهمية  الاعتراف كطريق من أجل الحرية.  حيث تتمثل الكرامه في المساواة السياسية ويشترك فيها جميع البشر حسب قدره ق كل منهم  توجيه ذاته .  فكل شخص قادر على تطوير وجهة نظره حول أية قضية، ويتصرف وفق وجهة النظر التي يتبناها وهذه القدرة كامنه باعتباره انسانا  بغض النظر عن قدرة المرء الثقافية وموقعه الاقتصادي، ومن ثمّ كل شخص يستحق الاحترام، وإن للجميع مجموعة من الحقوق والواجبات الواضحه والمحدده. ، المواطنين لا يجب ان ينظر لهم من منظور مواطن أدنى أو أعلى أو من الدرجة الأولى أو الثانية.  واحترام المساواة تعني الاعتراف واكتشاف وتكوين المرء.  وهى الحاله التى يشعر المرء فها  باحترام الذات فحسب،  بل  ايضا بتملكه شعور أعمق ويُعبر  عن خصوصيه وجوده.  وهذا ما أشار إليه روسو بقوله: “ولد الانسان حراً وفي كل مكان هو الآن يرسف في الاغلال، فما بالك بواحد من الناس يُخيل اليه إنه سيد الاخرين والحال إنه لا ينفك عبداً أشد عبودية منهم“.  ويتبين مما سبق إن البحث في الكرامة هنا لم يكتفِ بالجانب النفسي للإنسان فحسب من حيث تمثيل  المواطن من خلال أطروحة الكرامة ببعدها السياسي.  بل يتطلب الامر التركيز على عملية الفهم الهيجلي من خلال جدلية السيد والعبد .     لعل من أبرز أفكار  المعرفه الحديثة في المجال السياسي الراهن هي جدلية السيد والعبد أو كما يعبر عنها بالصراع من أجل الاعتراف.  وهنا الفكرة بالمعنى الهيجلي  التي استندت اليها ايديولوجيا انتصار الديمقراطية الليبرالية مع فوكوياما في نهاية التاريخ بمعنى الاعتراف الذي تحقق مع الديمقراطية.  وقدم فوكوياما التفرقه بين الديمقراطيه القائمه على تمثيل حقيقى والديمقراطيه القائمه على تمثيل مزيف ولا يمكن معه تحقيق اعتراف حقيقى.      وإنّ تحول الوعي إلى وعي بالذات يحتاج إلى الرغبة واللقاء مع وعي الآخر ليتصارع معه وليثبت وجوده، ويصنف هيجل هذين الوعيين الملتقيين والمتصارعين في الوقت نفسه إلى صنفين الأول اتصف بالمخاطرة، والثاني حرص على بقائه، والأول أطلق عليه هيجل تسمية السيد والثاني أطلق عليه تسمية العبد.  فالسيادة أتسم بها الوعي الأول لأنه خاطر بحياته.  والعبودية أتسم بها الوعي الثاني الذي أصبح أداة بيد السيد لقضاء حاجاته.  ولكن هذه العلاقة لا تدوم طويلاً، إذ سرعان ما يكتشف العبد وعيه المتمثل بوجوده  والمتحور حول السيد   فيتطور وعيه الى وعي بالذات.   وينتقل من الإحساس بالعبودية إلى الشعور بالحرية.  ومن ثم يصبح هذا السلوك رغبةً في انتزاع اعتراف السيد به.  وهذا الصراع ليس فى الاصل صراعاً دموياً، إنما هو صراع من أجل انتزاع الاحترام والاعتراف.  وإن مسيرة الوعي في التاريخ التي تمثلت عبر وعي السيد ووعي العبد تنتهي بتحرر العبيد ونيلهم الحرية التي يبتغونها .هنا تصيح السياده كامله ويصبح كل فرد سيد قادر على الوفاء بالتزماته.     إن الاعتراف صريح الآن، وإنه صريح في المعنى الذي ذُكر، من خلال فكرة إننا نتشكل من الاعتراف. وإن علاقة الاعتراف بالأصالة او قول اخر الكرامه  تتمثل بأن كل فرد يمتلك فرصة تمكنه من الولادة من جديد، وتتميز الأصالة بقدرتها على حب أنفسنا وحب الآخرين مع التأكيد بأن مسارات اكتشاف الذات متوفرة دائماً، وإن حقيقة الوجود لذاتي تعني حقيقة الوجود  الاصاله.  وهو أمر بالإمكان التعبير عنه واكتشافه ويهدف لتحقيق الذات من خلال العالم.  الأصالة يكون على مستويين: ليس لعلاقة الفرد مع الأشخاص الآخرين فحسب، إنما للشعب الذي لديه علاقة ثقافية مع الشعوب الأخرى، وهنا يمكن التعرف على نواة فكرة القومية في كل أشكالها الحميدة والخبيثة.      وفي ضوء الفهم المتطور للاعتراف في القرنين الأخيرين يمكن تصور لماذا ثقافة الأصالة تعطي أنموذجين للعيش معاً ؟     الأنموذج الأول – طالب بفرص متساوية للجميع لتطوير هويتهم الخاصة في المجال الاجتماعي، أما الأنموذج الثاني- فتعتبر علاقات الحب مهمة في المجال العاطفي .     فإن خطاب الاعتراف يحدث على مستويين: الخاص والعام، وإلى حد ما يكون هناك ارتباط بينهما، ولكن ينبغي الحفاظ على تمايزهما  أن يكون للاعتراف وظيفتين أساسيتين: الأولى اجتماعية وسياسية، والثانية معرفية تتعلق بالذات، والاعتراف ليس مجرد علاقة بين الأنا والآخر، إنما ينطوي على الجانب المعرفي من هذه العلاقة الذاتية التي تعني أن الاعتراف يغذي الموضوع الأساس لأصالة او الكرامه الذات وهو معرفة الذات .

مشاركة :