رغم تعهد السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا بالعمل على توحيد المؤسسات المتنازعة، وإنهاء الانقسام الذي يضرب البلاد منذ عشرة أعوام، فإن بعض السياسيين والمحللين يشككون في مدى قدرتها على تحقيق ذلك، بسبب وجود عدة عراقيل، من بينها «المركزية» و«رغبة بعضهم في الاستحواذ على المناصب والبقاء فيها».ورأى عبد السلام البدري، نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات بالحكومة الليبية المؤقتة بشرق ليبيا، أن «المركزية قد تكون في مقدمة هذه العراقيل، خاصة إذا تم الإصرار على تطبيقها في المجالات التي تقدم الخدمات». وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «قطاعات حيوية، مثل البنوك والإسكان والنقل والتجارة، يُفضل فيها نظام اللامركزية، لأن اتساع جغرافية البلاد تؤدي إلى ضعف الخدمة المقدمة للمواطنين تدريجياً من المركز للفروع»، معتبراً أن «مركزية القرار الإداري والاقتصادي المتبعة في عهد النظام السابق كانت من أبرز العوامل التي أدت إلى تنامي الفساد الإداري والمالي بالبلاد، حتى في السنوات التي أعقبت سقوطه في 2011».وأشار البدري كذلك إلى وجود عقبة أخرى ستواجه رئيس الوزراء المكلف عبد الحميد دبيبة، تتمثل في «وجود جيش من العمالة الحكومية بشرق البلاد وغربها، بشكل يفوق احتياج الجهاز الإداري والخدمي للدولة، فضلاً عن وجود ما يقرب من 4 ملايين ليبي في سن العمل، دون توافر أماكن شغل لاستيعابهم».ورأى أن هذه الإشكاليات «لا يمكن لدبيبة، أو أي رئيس وزراء آخر، النجاح في مواجهتها إلا بالعمل على تنظيم الاقتصاد الليبي، بداية من السياسات النقدية ومحاربة الانحرافات ومعالجة الدين الداخلي».وفيما يتعلق بالقطاع الصحي والتعليمي، دعا البدري إلى توحيد المناهج في عموم البلاد، مع العمل على تطويرها، وتطوير الخدمات العلاجية التي تقدمها الدولة للمواطنين، والتوسع المقنن في إشراك القطاع الخاص في مجال الصحة.ومن جانبه، حذر المحلل السياسي الليبي عيسى رشوان من مغبة أن تتم عملية توحيد المؤسسات الليبية بطريقة «تؤدي إلى إضعاف الشرق الليبي، وهو المفهوم الذي تروج له قيادات تيار الإسلام السياسي المتمركزة بغرب البلاد»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «مفهوم توحيد المؤسسات لدى بعضهم يركز بشكل رئيسي على فكرة إنهاء عمل الوزارات والإدارات والمصالح التي كانت قائمة في شرق ليبيا طيلة السنوات الماضية، بصفتها كيانات منشقة عن طرابلس».وأضاف أن «هناك تخوفاً كبيراً من عدم معاملة شرق البلاد بشكل منصف، أو توقف مخصصات المؤسسات هناك. وأغلب قيادات تيار الإسلام السياسي، والغرب عموماً، يتعاملون مع الصلاحيات والميزانيات بشكل استحواذي بالغ، لأنهم يعدون أنفسهم أصحاب الحق الشرعي في السلطة والثروة، وبالتالي فهم غير مجبرين على تقاسمها مع أي طرف آخر».وفي السياق ذاته، عد عضو مجلس البرلمان الليبي عمر تنتوش أن «تمسك المسؤولين بمناصبهم قد يكون أحد العقبات الرئيسية في طريق توحيد المؤسسات»، مشيراً إلى أن «بعضهم قد يعترض أو يعرقل العملية، كونه مستفيداً من وضعية الانقسام الراهن».وقلل تنتوش، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، من مخاوف حدوث تمييز وظيفي على أي أساس جهوي أو سياسي إذا ما تم التوحيد، وقال بهذا الخصوص: «القائمون على الحكومة الجديدة لديهم إدراك ووعي كبير، وبالتالي فإن أي قرارات ستتخذ بعد حصولها على نيل الثقة من مجلس النواب ستكون داعمة لإطار المصالحة ونبذ الكراهية».وأضاف تنتوش موضحاً أن «هواجس الاستحواذ والإقصاء ليست سوى حديث لدعاة التقسيم والمشككين بقدرة الليبيين، ورغبتهم في المصالحة. وفي النهاية، سيكون لكل مؤسسة مجلس إدارة أو جمعية عمومية تراقب أداءها». وأيد تنتوش كذلك «عدم تطبيق المركزية في قطاع الخدمات، كالحكم المحلي والبلديات، مع العمل على تشجيع استقلالها فيما تحصل عليه من ميزانيات ومخصصات للتنمية. أما المؤسسات السيادية، كالمصرف المركزي، فلديها مجلس إدارة مشكل من أعضاء عدة يمثلون أقاليم ومدن ليبيا كافة».وبدوره، سلط المحلل السياسي الليبي رئيس «مجموعة العمل الوطني» خالد الترجمان الضوء على دور الميليشيات المسلحة المنتشرة في غرب البلاد، ورأى أنها «قد تعوق فعلياً إتمام عملية توحيد المؤسسات، بحكم سيطرتها على بعضها، وسعيها للاستمرار في مواقع نفوذها، دون مزاحمة أطراف جديدة».وفي حين رأى أنه «لا توجد مشكلات بشرق ليبيا تتعلق بتوحيد المؤسسات، في ظل استعدادات تجرى لتسليم السلطة»، فإنه قال: «لا أحد يعلم ماذا يدور بالغرب الليبي»، دون أن يستبعد عند إتمام عملية توحيد المؤسسات تعرض صغار الموظفين لـ«عمليات تمييز أو إقصاء جراء استغلال بعضهم لموقعه، وميله لفرض تصنيفات سياسية وجهوية على هذه الفئة الضعيفة»، وتابع: «كبار الموظفين من مستشارين ووزراء سيعملون على توفيق أوضاعهم بأي سلطة تضمن استمرار رواتبهم، أو سيلحقون بأسرهم التي تقيم منذ فترة طويلة خارج ليبيا، نظراً لما يحظون به من مستوى مادي جيد».
مشاركة :