ربما لن انساق لمن يقول حقيقة الموت ثم يقول ووهم الحياة فالحياة والموت حقائق لا تُنكر، والمؤمن يتجاوزها الي ما بعدها بما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، ومهما طال عمر الانسان فهذه نتيجة حتمية قضاها الله على كل شىء قال تعالى( كل شىء هالك الا وجهه) ولهذا فالموت ليس بزائر غريب على بني البشر ، بل إن كل انسان قد كتب الله اجله قبل ان يُولد (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ) اما الاسباب التي يعرفها البشر فهذا يموت غريقا والاخر بحادث .. الخ ومهما كان الموت وآثار فقد الاحبة فهذه سنة الحياة، ولا مناص منها قال تعالى ( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ۗ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا) مات الانبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام واخرهم حبيب كل مؤمن ومؤمنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وواجب كل مسلم ان تكون وفاته عليه الصلاة والسلام له عزاء فهو الذي اوجب الله علينا حبه بعد حب الله اكثر من النفس والوالدين وغيرهم ....الخ ولهذا بكت الامه وبكى لفقده اصحابه ورثاه حسان رضي الله عنه بمالم يشهدتاريخ شعر الرثاء له مثيل لما كان لوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم من هزة عنيفة في المجتمع الإِسلامي فالتاعت القلوب وتقرحت المآقي، وانطلقت القرائح تندب فقيد الإِنسانية ومعلمها ورسولها صلى الله عليه وسلم ودليلها الهادي يقول رضي الله عنه : .. وبكى رسول الله يا عين عبرة ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد وجودي عليه بالدموع وأعولي لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد وما فقد الماضون مثل محمد ولا مثله حتى القيامة يفقد وعليه فلا غرابة إذا تألم الانسان لفقد عزيز او اخ او ابن ومما احزنني قبل اشهر وفاة اخي وشقيقي الاكبر الشيخ / علي بن سعيد بن عبدالرحمن بن سليمان آل عبوش الاسمري رجل الامن المتقاعد المخلص لدينه ثم لمليكه ووطنه كان رحمه الله بمثابة الوالد بعد والدي لي ولاخواني فكان رحمه الله حكيما ذو نظر بعيد في كل الأمور ذا حلم ويسأل الله ذلك كما قال الشاعر: فيا ربّ هبْ لي منك حِلماَ فإنني أرى الحِلم لم يندم عليه كريمُ كان رحمه الله من اشد الناس برا بوالديه احياء وامواتا ففي حياتهم يخفض لهما جناح الذل من الرحمه وبعد وفاتهما برا بإخوته من الذكور والاناث حتى تخرج الجميع من الجامعات واصبح كل واحدمستقل بحياته وأهله ووفاؤه مع كل من تربط الوالدين بهم صله وصّالا للرحم كريم الخلق كريم السجايا ، ترك اثرا في نفوس كل من عرفه وفي القبيله والاسرة ولم أر دموعا انهمرت لفقد اي أحد كما كان لفراقه من البعيد قبل القريب ، وابو عبدالله كما هو اخ اكبر فقد اكملت انا ومعظم اخوتى الدراسة معه في الرياض فكان نعم الموجه والمربي ونعم الاخ ولن يسطع احد ممن عرف ابناء سعيد بن عبدالرحمن وبناته ان يجد لهم مثالا كأنموذج اسري في كل السجايا والاخلاق التي يحمدها الشرع في مكارم الاخلاق ويخلدها العُرف في الألفة والوفاء لهذا كان لفقده رحمه الله كبير الاثر من الاسى والحزن لا استطيع وصفه الا بالاستشهاد بقول الشاعر متمم بن نويره: وانّي متى ما أدعُ باسمكَ لا تُجِب وكنتَ جديراً ان تجيبَ وتُسمِعا وكان جناحي ان نَهضتُ أقلّني ويحوي الجناحُ الريشَ ان يتنَزعا وعشنا بخيرٍ في الحياة وقبلنا أصابَ المنايا رهطَ كسرى وتبّعا وكنا كندماني جذيمةَ حقبةً من الدهر حتى قيل لن يتصدعا فلما تَفَرّقنا كأني ومالكاً لطول اجتماعِ لم نَبت ليلةٌ معا فان تكن الايامُ فَرَّقنَ بيننا فقد بان محموداً أخي حين ودَعا ولست ممن ترهقه الصدمات لكن فقد المرحوم كان اكبر اثرا في حياتي بعد الوالدين رحمهم الله والشقيقة الكُبرى الذي تأتي ذكراهم لتكون كما وصفت الخنساء حال التذكر في رثاء أخاها صخر:- يُؤرّقُني التّذَكّرُ حينَ أُمْسي فأُصْبحُ قد بُليتُ بفرْطِ نُكْسِ وليس فقد ذا المآثر العظيمة كغيره خاصة عند من رزقه الله الوفاء والمرحوم فرض الوفاء له على كل من عرفه وانا من باب اولى ورغم تجلدي فأنا كما قال المهلهل يرثي أخاه : أَهَاجَ قَذَاءَ عَيْنِي الإِذِّكَارُ هُدُوّاً فَالدُّمُوعُ لَهَا انْحِدَارُ كيف لا وقد جمعنا ما يربو على نصف قرن من الزمن لم يتكدرا منذ الطفولة وما قبلها كما قال دريد بن الصمة: أخ أرضعتني أمه من لبانها بثدي صفاء بيننا لم يجدد رحم الله ابا عبدالله فقد كان حسن السيرة صافي السريرة ولا نزكي على الله احدا لكن لم يروى عنه انه كان طرفا في اي خلاف اسري او غيره عاش حياة ملؤها الهدوء والسكينة والعمل الدؤوب واصلاح ذات البين وبث روح المحبة والإخاء رمزا من رموز السلم المجتمعي وقدوة فيه مساهما في كل عمل مجتمعي وطني كان آخرها جديد اقدم بئر في وادي سدوان بطيها وتعميقها وتغطيتها وكان لجهوده ووالدنا الكريم رجل الاعمال الشيخ غرامه بن عبدالرحمن الاسمري وسعادة العميد عبدالله بن مردح الاسمري ورجل الاعمال ابن العم الاستاذ خالد بن غرامه الاسمري وعندما تناقشنا في هذا الامر وما فيه من مشقة قال نحتسبها من ابواب فعل الخير كما فعل الاباء وكان الانتهاء منها قبل وفاته بثلاثة اسابيع رحمه الله وجعلها في موازين حسناته وجميع الشركاء ومن كان له فيها جهدا .ونحتسب عند الله انه رزقه نطق الشهادتين بين اولاده واهله لما تقبله منه عمل صالح مثل هذا وغيره ومنها انه لم يراجع طبيبا او تشقيه ترسانة المستشفيات مهما كانت اهميتها، ولقد ترك لنا إرثا من التوجيه الابوي والنصائح الذهبية والمجد الذي ندين به له بعد الله وهذه هي الحياة كما قال ايليا أبو ماضي : إنّ الحياة قصيدة أبياتها أعمارنا والموت فيها القافية فرحم الله الفقيد وبارك لنا في الابطال ابنائه الاستاذ عبدالله والاستاذ محمد وبارك في بناته ورزقهم بر والدتهم الفاضله ولست عليهم بوجل فهم تربية من ربانا جميعا وهم خيار من خيار بإذن الله كما قال الشاعر : مـا مـات مــن خـلـف حــرار ثميـنـه قـال المثـل مـامـات مــرث رجاجـيـل الخـيـر فـيـهـم والـروابــع سمـيـنـه متسلسليـن مــن زحــول حلاحـيـل
مشاركة :