ومن ذكريات الفقيد مؤيد أحمد المؤيد أن اقتناء المذياع في فترة الحرب العالمية الثانية كان يعتبر من الوجاهة لندرته وغلاء ثمنه. وكان قريبهم خليل إبراهيم كانو من القلائل الذين يملكون المذياع فكان الفقيد يذهب مع والده وعمه خليل إبراهيم المؤيد وابن عمه محمد الباز بن حسن بن إبراهيم إلى المجلس لسماع الأخبار وكان الناس يستمعون إلى إذاعة باري الإيطالية وبي بي سي الإنجليزية وبعدها إذاعة برلين بعد ان أقنع مقدم البرامج العراقي المشهور يونس بحري والذي اشتهر بافتتاحية الإذاعة «هنا برلين حي العرب» وزير الدعاية السياسية غوبلز أن يتم بث آيات من القرآن الكريم، الذي تردد وأوصل المقترح إلى الزعيم الألماني هتلر الذي وافق على المقترح بعد أن شرح له يونس أن بث القرآن الكريم سيجذب انتباه المستمعين العرب إلى إذاعة برلين، ويتركوا الاستماع إلى إذاعة بي بي سي لأنها لا تذيع القرآن الكريم، فأصبحت بذلك إذاعة برلين المفضلة لدى المسلمين والعرب فقامت إذاعة بي بي سي بعدها بإذاعة القرآن الكريم وقد أصدرت الحكومة البريطانية قرارا بمنع الاستماع إلى إذاعة برلين ومصادرة المذياع وسجن الشخص التي يستمع لها وبعد مدة قام عمه خليل المؤيد بشراء مذياع وضعه في مجلس العائلة وطلب من المؤيد أن يكون هو المسؤول الوحيد عن فتح وإغلاق المذياع وتخفيض الصوت عند الاستماع إلى إذاعة برلين حتى لا يسمعهم أحد من المارة (زار يونس بحري البحرين في 9 يوليو 1930 وغادرها في 22 يوليو 1930 إلى كراتشي ومن ثم بومباي وقد تعرف على كثير من الأشخاص المتعلمين والمثقفين في البحرين منهم يوسف بن أحمد كانو وجدي أحمد بن حسن إبراهيم وسلمان أحمد كمال). كان تبادل الزيارات الليلية مستمرا خلال الحرب وكان جدي أحمد وأخوه محمد الباز يترددان على والده وعمه خليل. ومن الشخصيات المعروفة في المجالس إبراهيم كمال وهو أخ يعقوب كمال وكان ملما بالأخبار المحلية والعالمية. وان من الشخصيات البارزة والمعروفة آنذاك يوسف بن أحمد كانو وكان موضع احترام وتقدير من القيادة والتجار ورجال الأعمال والمواطنين في البحرين ودول المنطقة. وان أغلب التجار في البحرين ودول المنطقة والعالم تأثروا بالأزمة الاقتصادية ولكن ظهور اللؤلؤ الصناعي أدى إلى كساد وإفلاسات عديدة لاعتماد تجار المنطقة على اللؤلؤ الطبيعي الذي كان يرسل إلى الهند وأوروبا لبيعه. وكان لحكومة البحرين ومستشارها بلجريف دور مهم في منع استيراد اللؤلؤ الصناعي ومحاولة الحد من الإفلاسات. قام أحمد بن حسن إبراهيم وخليل إبراهيم المؤيد وجاسم محمد كانو وسلمان كمال ومحمد عبدالله جمعة التميمي وآخرون بإنشاء المنتدى الإسلامي واستأجروا محلا في عمارة الشتر. وفي ذلك الوقت كانت الأرض المسورة تسمى عمارة حتى لو لم يكن هناك بناء. وكانت الأراضي الكبيرة تشترى وتباع بمبالغ زهيدة بأسعار اليوم ولكنها غالية بأسعار تلك الفترة. وكان من كبار ملاك الأراضي منصور العريض ومصطفى بن عبداللطيف وأحمد سلوم الكبير. وأعلمني عن تسميته باسم المؤيد ليكون لقبا لعائلة المؤيد فقد اشتهر عمه خليل بالمؤيد لأنه كان الوحيد الذي تصله جريدة المؤيد المصرية, فقد كان مشتركا فيها وكانت تهاجم الاستعمار البريطاني وكان يجلبها إلى المجالس ليتسنى للناس قراءتها, فكانوا يقولون جاء خليل المؤيد الذي استحسن اللقب فقرر تسمية أول مولود من ذكور العائلة بالمؤيد فصادف أن كان هو، فكان عمه خليل يناديه دائما «المؤيد» بأل التعريف حتى وفاة عمه في عام 1963 وكان باقي العائلة ينادونه «مؤيد». وصف لي الفقيد تفاصيل وظروف الحرب العالمية الثانية على البحرين والمنطقة، مما استدعى حفر الخنادق, وشح في المواد الغذائية ومواد البناء, وحدوث الغارة الإيطالية على البحرين من قبل السلاح الجوي الإيطالي على مصفاة النفط وإصدار أوامر بإطفاء الأنوار وإنشاء إذاعة البحرين, والأشخاص الذين كانوا يعملون بها والظروف المعيشية القاسية التي تعرضت لها البحرين ودول المنطقة والعالم خلال تلك الحرب, ودور المغفور لهما بإذن الله الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين (1932/1942) ومن بعده ابنه الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين (1942/1961) وحكومة البحرين والمستشار بلجريف في تنظيم وتوزيع المواد الغذائية ومنع احتكارها واستخدام بطاقة التموين مما سهل على البلاد تجاوز تلك الأزمة. أشار صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حفظه الله عضو المجلس الأعلى لاتحاد دولة الإمارات العربية، حاكم إمارة الشارقة, مشكورا الى دور الفقيد ومكتبته في توفير الكتب في كتابه القيم بعنوان «سرد الذات» حيث قال (بتصرف): «في أواخر شهر يونيو 1955, نزلنا ضيوفا على الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين، فأنزلونا في فندق «محمد نور»، المطل على سوق الخضار والفواكه، حيث صحونا في الصباح على أصوات البائعين، إستأذنت والدي لأذهب إلى السوق فأمرني بألا أتأخر حيث ستأتي السيارة التي ستقلنا إلى مجلس الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة. منذ أن خرجت من الفندق وأنا أسأل عن مكتبة «المؤيد»، حتى دلوني عليها، فدخلتها، فوجدتها مليئة بالكتب التي رصت على الأرفف من الأرض حتى سقف المكتبة. انشغل نظري بالكتب عن الجالس على كرسي وأمامه طاولة، والذي نبهني قائلا: ماذا تريد يا ولد؟ التفت إليه وإذا به رجل كبير في السن، حييته وسألته: أأنت المؤيد؟ قال: نعم ما تريد؟ قلت: أنا صديقك سلطان القاسمي من الشارقة. قال أنت سلطان، الذي يراسلني من الشارقة؟ قلت: نعم. قال: كم عمرك؟ قلت: ست عشرة سنة. قال: وماذا تفعل بالكتب التي تشتريها والأخرى التي أهديها اليك؟ قلت أقرؤها، ورويت للمؤيد حكايتي مع الكتب. (وهي حكايات جميلة ومفيدة ولكن لا يتسع هذا المقال لذكرها وكل من يقرأ ما ذكره الشيخ سلطان القاسمي للمؤيد عن الكتب التي يقرأها، يعرف من أين أتت تلك الخصال الحميدة والبلاغة والتواضع للشيخ سلطان في حديثه وخطابه ورقيه في تعامله مع الناس وحبه لنشر الثقافة والعلم). تغمد المولى عز وجل الفقيد مؤيد أحمد المؤيد بواسع رحمته وأدخله فسيح جناته وألهم أهله ومعارفه الصبر والسلوان وانا لله وانا اليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم عافه واعف عنه وارزقه برد عفوك وجميل لطفك يا رب يا رحيم. yousufsalahuddin@gmail.com
مشاركة :