واصلت أسعار النفط الخام مكاسبها المتتالية، لتبقى عند أعلى مستوى في 13 شهرا؛ بسبب ضعف الدولار واستمرار الانخفاض الحاد في إنتاج النفط الأمريكي، وأزمة الطقس المتجمد التي اجتاحت تكساس وعدة ولايات أخرى أخيرا. كما تتلقى الأسعار دعما من قيود الإنتاج التي تنفذها مجموعة "أوبك +" في مقابل بيانات تعافي الطلب بسبب الانتشار الجيد والسريع للقاحات كورونا الجديدة، بينما تكبح المكاسب السعرية بيانات عن ارتفاع غير متوقع في مستوى المخزونات الأمريكية. ويقول لـ"الاقتصادية"، مختصون ومحللون نفطيون، إن بعض الشركات الدولية رصدت تغيرا جوهريا في وضع المنافسة في سوق النفط، مشيرين إلى أن تعافي الإمدادات النفطية الأمريكية بات مستبعدا في ظل صعوبات التمويل وتعطل الإنتاج. وأشاروا إلى أن الطلب القوي على النفط الخام وانخفاض معدلات النمو في إنتاج النفط الصخري الأمريكي، يعني أن "أوبك +" أصبحت تواجه ضغوطا أقل ولم يعودوا بحاجة إلى القلق بشأن المنافسة على الحصص السوقية. وتوقع المختصون استمرار تعافي الطلب خاصة في قطاع الطيران أو ما يخص القيادة على الطرق وهو ما سيؤدى إلى ارتفاع مطرد في استهلاك الوقود، لافتين إلى أن الزيادات المحتملة من قبل فنزويلا وإيران وليبيا لن تعطل خطة "أوبك +" في تحقيق التوازن في السوق والاستمرار في الاستفادة من الأجواء الإيجابية في السوق المتعلقة بانتشار لقاحات كورونا. وأشار المختصون إلى أن أزمة كورونا كان لها تأثيرات سلبية واسعة في الاستثمارات النفطية في مشاريع المنبع، حيث قلصت من إمدادات النفط الجديدة ويمكن أن توجد فجوة في العرض مستقبلا خاصة إذا تعافي الطلب بصورة قوية. ونوه المختصون إلى أن الاقتصادات الناشئة والنامية في آسيا ستقود إلى بقاء الطلب قويا على النفط مهما تسارع التحول إلى الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، لافتين إلى أن النمو في العقد المقبل سيكون مدفوعا بالبتروكيماويات - بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية - إضافة إلى الاعتماد على الوقود الأحفوري في تأسيس البنية التحتية للطاقة المتجددة. وفي هذا الإطار، يقول مفيد ماندرا نائب رئيس شركة "إل إم إف" النمساوية للطاقة، إن المكاسب السعرية تتواصل في سوق النفط الخام بسبب تغلب العوامل الإيجابية خاصة تقلص المعروض النفطي بفعل قيود "أوبك +"، إضافة إلى خسائر الإنتاج الأمريكي جراء موجة الصقيع وتداعيات كورونا التي أدت – بحسب إحصائيات دولية - إلى خصم نحو مليوني برميل يوميا من إجمالي إنتاج النفط في الولايات المتحدة. وأضاف أن فكرة تعافي الإمدادات الأمريكية من النفط الخام صارت مستبعدة في ظل الضغوط المالية التي عانت منها الصناعة خلال الأعوام القليلة الماضية وصعوبات التمويل وتعطل الإنتاج، لافتا إلى تقديرات لشركات دولية تؤكد تقلص نمو الإنتاج الأمريكي بنحو 5 في المائة، سنويا على المدى الطويل. ويرى، ماثيو جونسون المحلل في شركة "أوكسيرا" الدولية للاستشارات، أن الثقة تعود للسوق النفطية بقوة وقد قفزت أسعار النفط بالفعل إلى أعلى مستوياتها في أكثر من عام، حيث يتطلع السوق قدما نحو انخفاض متسارع في المخزونات العالمية وعودة الطلب العالمي في ظل انتشار سريع للقاحات ضد وباء كورونا. وذكر أن تعافي الاقتصاد العالمي من الوباء تدريجيا قد يدفع أسعار النفط الخام إلى مستويات قياسية في الارتفاع خلال العامين المقبلين، موضحا أن جميع المؤشرات ترجح تسجيل طلب أفضل خلال العام الجاري ويبقى أن يحدث انخفاض ملموس في مستوى المخزونات الأمريكية التى ما زالت متأرجحة من أسبوع إلى آخر. ومن ناحيته، يقول أندريه يانييف المحلل البلغاري والباحث في شؤون الطاقة، إنه رغم ارتفاع الأسعار تتمهل "أوبك +" في التعامل مع متغيرات السوق انتظارا لتحقيق مستوى أعلى من التوازن المستقر، حيث تحافظ "أوبك +" على قيود الإنتاج حتى نهاية آذار (مارس) مع احتمال إجراء زيادات تدريجية اعتبارا من نيسان (أبريل) المقبل. وأوضح أن مخزونات النفط الأمريكية ارتفعت بشكل مفاجئ في الأسبوع الماضي وذلك للمرة الأولى في ستة أسابيع ومع ذلك انخفضت مخزونات نواتج التقطير بنحو خمسة ملايين برميل الأسبوع الماضي ما ساعد على انخفاض إجمالي مخزونات النفط وهو ما يبشر بتعاف جيد في نمو الطلب العالمي على النفط الخام والوقود. وتضيف ويني أكيللو المحللة الأمريكية في شركة "أفريكان أنجنيرينج" الدولية أن أزمة الوباء فتحت الجدل مجددا حول توقيت ذروة الطلب على النفط الخام، لكن أكبر المنظمات الدولية خاصة "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية لديهما قناعة قوية بأن ذروة الطلب على النفط غير منظورة وأن النفط سيظل مهيمنا على مزيج الطاقة في العالم لعقود مقبلة. وأضافت أن هذا لا يتعارض مع حقيقة أن أغلبية السياسات الحكومية في دول إنتاج النفط الخام تركز على نهج أكثر اخضرارا وعلى تسريع برامج انتقال الطاقة، مشيرة إلى حقيقة مهمة وهي أنه حتى تحول الطاقة سيحتاج إلى كثير من الموارد الخاصة بالوقود الأحفوري لبناء البنية التحتية اللازمة لدعم التحول إلى مصادر الطاقة الخضراء. من ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار، واصلت أسعار النفط مكاسبها لرابع جلسة على التوالي وبلغت أعلى مستوياتها منذ أكثر من 13 شهرا، مدعومة بتأكيد البنك المركزي الأمريكي بأن أسعار الفائدة ستظل منخفضة، وانخفاض حاد في إنتاج الخام الأمريكي في الأسبوع الماضي بسبب العاصفة التي اجتاحت ولاية تكساس. وبحلول الساعة 05:50 بتوقيت جرينتش، زادت العقود الآجلة لخام برنت تسليم نيسان (أبريل) 33 سنتا أو 0.5 في المائة، إلى 67.37 دولار للبرميل، وارتفع خام غرب تكساس الوسيط تسليم نيسان (أبريل) 23 سنتا أو 0.4 في المائة، إلى 63.45 دولار للبرميل. ولامست عقود الخامين أعلى مستوياتها منذ الثامن من كانون الثاني (يناير) 2020 في وقت سابق من الجلسة، إذ بلغ خام برنت 67.49 دولار للبرميل وخام غرب تكساس 63.67 دولار للبرميل. وينقضي أجل عقود خام برنت لنيسان (أبريل) اليوم الجمعة. وتراجع الدولار بفعل تأكيد من الفيدرالي الأمريكي بأن أسعار الفائدة ستظل منخفضة لفترة، وإن عزز ذلك شهية المخاطرة لدى المستثمرين وأسواق الأسهم العالمية. وقالت إدارة معلومات الطاقة الأربعاء إن إنتاج الخام الأمريكي انخفض بأكثر من 10 في المائة أو ما يعادل مليون برميل يوميا في الأسبوع الماضي، بسبب عاصفة شتوية شديدة تجتاح ولاية تكساس. من جانب آخر، ارتفعت سلة خام أوبك وسجل سعرها 64 دولارا للبرميل الأربعاء مقابل 63.73 دولارا للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، الخميس، إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق ثالث ارتفاع له على التوالي وأن السلة كسبت نحو دولار واحد مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 63.06 دولار للبرميل.
مشاركة :