أواصل هذه التأملات في بعض مدلولات (ملك اليمين) في القرآن الكريم، فدلالة (وما ملكت أيمانكم) بالآية (36:النساء)، الذين يقعون تحت وصيتكم ورعايتكم وإشرافكم، كما نجد مدلول (وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ) بالآية (55:الأحزاب) لا يختلف عن مدلول (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهنَّ) بالآية (31:النور)، فالأولى تتحدث عن ما يُباح لأمهات المؤمنين إبداء زينتهن لهم، ومعروف خلو بيته (صلى الله عليه وسلم) من المماليك ذكورًا وإناثًا، فلن يكون معنى (ولا ما ملكت أيمانهن) المماليك، كما فسّرها بعض المفسرين، وكذلك (أو ما ملكت أيمانهن) بالآية (31:النور) التي تشمل النساء المسلمات، فلن يكون المماليك، لأنّ ليس كل بيوت المسلمين بها مماليك، فالإسلام للناس كافة عبر العصور إلى أن تقوم الساعة، والله يعلم في سابق علمه أنّ الرق سيُلغى، لأنّه عارض بشري، وحرص على تجفيف منابعه بتحريم استرقاق الأسرى والسبايا، فمدلولها في الآيتيْن الذين يقعون تحت رعايتهن وإشرافهن ممن ليس لديهم شهوة وغريزة وميلاً للنساء مثل اليتامى من الأطفال دون سن الاحتلام، ولكن بعض المفسرين لم يُميّزوا هذا، فنجد الطبري اعتبر دلالتهما المماليك، مع علمه بخلو بيته (صلى الله عليه وسلم) من المماليك. وفي قوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ..) (الأحزاب:55). إنّ لكلمة أحلّ عدة معاني منها: أحلَّ الشَّيءَ محلّ العناية: أي أولاه وقتَه وعنايتَه، فكلمة (أحللنا) في الآية لا تعني إباحة الزواج بالمذكورات للنبي عليه الصلاة والسلام، فزوجاته هنّ تلقائيًا حلال عليه، أمّا بنات عمّاته وأعمامه فهن متزوجات، وبنات عمّه حمزة من المحرّمات عليه بالرضاع، لأنّ حمزة أخوه بالرضاعة، وعمّه أبوطالب عنده أم هانئ لم تكن مهاجرة، والآية حدّدت (اللاتي هاجرن معك)، فكيف يبيح الله له المتزوجات وأخواته بالرضاعة؟. أما (وما ملكت يمينك) تعني بناتك، لأنّ عندما تكون (ملك اليمين) تعني الزوجة الكتابية يسبقها (أو) والرسول ليس له زوجات كتابيات؛ لذا لم يقل (أو)، وإنّما قال (و)، فمعنى الآية: عليك أيها النبي أن تولي عنايتك بزوجاتك وبناتك اللاتي أنعم الله عليك بهنّ، وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ. ومدلول (إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) بقوله: (لَا يحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) (الأحزاب:52)، زوجاتك اللاتي ملكت وطئهن بعقد شرعي فإنهن مستثنات من التحريم. والخلاصة: أنّ ملك اليمين لا علاقة لها بأسيرات الحروب، وإنّما تعني طبقًا لمدلول الآيات، الزوج، أو الزوجة، أو الزوجة الكتابية أطلق عليها ملك اليمين، ولم يطلق عليها زوجة، لعدم التماثل في العقيدة، فمن معاني الزوج: النظير والمثيل، أو البنات والأولاد والأطفال واليتامى، ممن هم تحت رعاية ومسؤولية من أقسم يمينًا برعايتهم، دون امتلاك أجسادهم ببيع أو شراء، والله أعلم. suhaila_hammad@hotmail.com
مشاركة :