أواصل الحديث عن رواية التعصيب بالعم، التي استُند عليها في التعصيب في الإرث، التي ثبت عدم صحّتها من حيث المتن، وفي هذه الحلقة سوف أُبيِّن عدم صحتها من حيث الإسناد: ففيها عبدالله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، والأسانيد في سنن الترمذي، وابن ماجة، وأبي داود، تنتهي إليه. ذكره ابن سعد في الطبقة الرابعة من أهل المدينة، وقال: كان منكر الحديث، لا يحتجّون بحديثه، وقال بشر بن عمر: كان مالك لا يروي عنه، وقال يعقوب بن أبي شيبة عن ابن المديني: لم يُدخله مالك في كتبه، قال يعقوب: وابن عقيل صدوق، وفي حديثه ضعفٌ شديدٌ جدًّا، وكان ابن عيينة يقول: أربعة من قريش يُترك حديثهم فذكره فيهم، وقال ابن المديني عن ابن عيينة: رأيته يحدّث نفسه، فحملته على أنّه قد تغيّر، إلى غير ذلك من الكلمات التي تسلب ثقة الفقيه بحديثه (تهذيب التهذيب: 6/140). الراوي عنه في سنن الترمذي هو عبيد بن عمرو البصري، الذي ضعّفه الأزدي، وأورد له ابن عدي حديثين منكرين، وضعّفه الدارقطني، ووثّقه ابن حبَّان. (المرجع السابق: 4/21).. وهكذا يتبيّن لنا عدم صحة روايات تعصيب الذكور في الميراث. وفي النهاية أقول: لماذا التعصيب في حال البنت فقط، فلو توفي رجل عن ولد ذكر يرث كل الميراث، ولا يشاركه أحد تعصيبًا، وإن ترك بنتًا لا ترث المال كله، مع أنّ البنت أحوج ما تكون إلى المال لحماية عرضها؟! أمّا تحديد النصف للبنت في قوله تعالى: (يُوصِيكُمُ الله فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ) (النساء: 11)، فهذه الآية تبيّن حظوظ البنات في حال عدم وجود أحد الزوجين، وجود ولد ذكر: وبنت، فللبنت النصف، والباقي للولد الذكر، وإن كانتا ابنتيْن، فللذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كن فوق اثنتيْن فلهن ثلثا ما ترك، والباقي للذكر، فالآية لا تتحدث عن البنت الواحدة دون وجود أخ، أو إخوة ذكور، لأنّه من الطبيعي إن تُوفي رجل عن ابنة واحدة فقط، ترث كل الميراث، لا يشاركها فيه أحد مثل الولد الذكر، ويُؤيِّد ما ذكرتُه ما أخرجه البيهقي في سننه بسنده عن حيان بياع الأنماط، قال: كنت جالسًا مع سويد بن غفلة فأتى في ابنة، وامرأة ومولى، فقال: كان علي -رضي الله عنه- يعطي الابنة النصف، والمرأة الثمن، ويرد ما بقي على الابنة. (السنن الكبرى:6/ 242). فعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أعطى البنت النصف، وما بقي من الميراث بعد أخذ الزوجة الثُمن، ولم يردُّ الباقي إلى بيت المال، أو يُدخل معها أحد تعصيبًا. suhaila_hammad@hotmail.com
مشاركة :