مقال :أحقاً رحلت أمي؟ للكاتب البروفيسور: أ.د. مبارك بن سعيد حمدان

  • 3/11/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لقد تعطلت لغة الكلام وتلعثم اللسان وحار القلم وارتبكت أطراف الأصابع وانهمرت دموع العين واسودت الدنيا أمام ناظري. فقد رحلت تلك الإنسانة الرائعة التي في حضنها نشأت، ومن صدرها شبعت، ومن حنانها ارتويت، وفي حجرها كنت مرتاح البال وهاديء المشاعر وكأني ملكت العالم. كلما قبلتها وشممتها ازددت حباً للناس ولمن حولي، وطرت فرحاً ورقصت طرباً لأني أجد في قبلاتها ورائحتها سلام العالم وسعادة الكون. كأنت أمي في حالة مرضي أو مرض أحد من إخوتي تشعر بالضيق والهم والألم وتتعطل لغة الكلام لديها، وتركز جهودها واهتمامها علينا حتى يحل بنا الشفاء وتكسونا العافية. لا تخرج من المنزل ولا تقوم بزيارة أحد من أهلها أو جيرانها، ولا تحضر أي مناسبة. وتعطل أعمالها اليومية المنزلية جالسة بجوارنا وملبية لطلباتنا وحزينة لمرضنا. امتلأ قلبها حباً لكل الناس ولم تحمل كرهاً ولا حقداً ولا عداوة لأحد. تحب صلة الرحم وزيارة الأقارب والمرضى حتى وهي على الكرسي المتحرك، كما كانت تقف بجانب المحتاجين وتبذل كل ما بوسعها لإسعاد الآخرين. يقول أحد الجيران: رحم الله الوالدة فاطمة فقد كانت نعم المرأة تساعد المحتاجين وتصل الجيران وتحرص على زيارة الأقارب. يتذكر وهو صغير بأنه كان لها مواقف لا يمكن نسيانها مع بعض الأيتام. ويقول آخر: إن سيرتها العطرة يفوح شذاها في كل أرجاء محافظة خميس مشيط وتردد صدى فقدها وعزاها لدى الكثير من الناس. عانت أمي كثيراً في حياتها فقد كانت تعاني من أمراض القلب وهشاشة العظام والضغط والسكري، وتم زرع جهاز لنبضات القلب. كما أجري لها عملية غسيل الكلى منذ تسع سنوات. لقد كانت صابرة ومحتسبة ومبتسمة وحامدة وشاكرة لربها. لقد كانت وهي على سرير الغسيل تسألنا عن حال والدنا، كيف أصبح والدكم اليوم وحريصة على صحته وسعادته ورضاه حتى وهي في قمة الألم وذروة الضيق. كان قلب أمي نقياً وصدرها سليماً ومشاعرها جياشة لكل الناس، محبة للخير وباذلة للمعروف وحريصة على فعل الجميل والإحسان إلى الآخرين دون من أو أذى. لقد علمتنا القيم الحميدة والصفات النبيلة. فكانت بحق أماً عظيمة ورائعة، وجسدت المثل المتعارف عليه القائل: (وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة) سواءً أكانت أماً أم أختاً أم زوجة. فنحن سنظل مدنيين لك يا أمي الغالية ما حيينا. لقد كانت ليلة الخميس 6/7/1442هـ الموافق 18/2/2021م ليلة حزينة وكئيبة وطويلة فقد توقف قلب أمي الرائع وسقطت ورقتها وانتهت ساعتها وصعدت روحها إلى بارئها ولم تفلح معها عمليات الإنعاش القلبي. كنت منذ ثلاثة أشهر أشعر بأن وضعها بدأ في الانحدار وكنت أقول لأسرتي بأن ورقة أمي بدأت في الذبول. لقد رحلت أمي نبع الحنان والقلب الرؤوم والصدر الحنون والمربية العظيمة والشيخة الفاضلة والإنسانة الرائعة فاطمة بنت عبدالله حمدان وتمت الصلاة عليها بعد صلاة الجمعة في اليوم التالي وحضر صلاة الجنازة جمع كبير من المصلين ودفنت في مقبرة حي قنبر بمحافظة خميس مشيط. أحسن الله عزاء والدي الغالي سعيد بن ناصر حمدان وعزاءنا وجبر مصابنا وربط على قلوبنا جميعاً. فلقد كانت عشيرته لما يربو على ثمانين عاماً كانت خلالها الزوجة الصالحة. وفي الختام الشكر لكل من تفضل بمواساتنا وتعزيتنا سواءً أكان ذلك حضورياً أو هاتفياً أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي. رحم الله أمي ورحم كل الأمهات.

مشاركة :