اعتنت الشريعة الإسلامية بمنزلة الوالدين، وأوجبت على الأبناء تقديم الرعاية والعناية اللازمتين لهما، نظرًا لما يبذلانه من جهد وتعب في سبيل تربيتهم، وكونهما سبب وجودهم في الحياة، بعد إرادة الله عز وجل.ولما كان عطاء الأم للإبن طيلة عمره وافرًا، لاسيما في الصغر ومراحل الطفولة الأولي، لما اختصت به من طبيعة فطرية، ومشاعر ملؤها الحنان والصبر، أولتها الشريعة حسن الصحبة والبر والعناية بها، في جميع مراحلها.ونحن نحتفل بالأم، لا يوجد ما يمنع من تخصيص يوم في العام للاحتفال بها أو بالوالدين معًا، كرمز للوفاء لهما، والتذكير بحقوقهما، والتوصية ببرهما. الإسلام منح الوالدين مكانة عالية، ومنزلة شريفة. فقال تعالي: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وأوصي الإسلام بها ثلاثا، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك). ويعطينا هذا الحديث دلالة على أن العناية بالأم والشفقة عليها ينبغي أن تضاعف مثيلتها للأب بثلاثة أمثال. ولعلو منزلة الأم جعل الإسلام برها طريقا إلى الجنة، وسبيلا إلى أعلى الجنان. فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا رسول الله أردت ان أغزو، وقد جئت استشيرك، فقال: هل لك من أم؟ قال: نعم، قال: فالزمها فإن الجنة عند رجليها). لذلك قال ابن عباس: إني لا أعلم عملا أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة.فالأم موضع الحنان والرحمة الذي يلوذ به الأبناء، وليس أحد على وجه الأرض أحق وأولي بهذه النسبة من الأم التي يستمر بها معنى الحياة، وتتكون بها الأسرة، وتتجلي فيها معاني الرحمة، ولم لا؟ وهي التي حملت ووضعت، وأرضعت، وسهرت، ومرّضت، وعليها يقع عبء تنشئة الطفل على الالتزام بالعقيدة والعمل على تحقيق معانيها من خلال التزام أفراد الأسرة بأوامر الله ونواهيه.وقد تكون ـ بالإضافة إلي دورها الأمومي ـ (سيدة عاملة)، تساعد في نفقات الأسرة، فتتحمل عبئا علي عبئها، وأحيانا تكون هي العائل الوحيد لأبنائها بعد فقد الزوج أو الانفصال عنه، وكم من أمهات تحملن الأذي تجنبا للطلاق، حتي لا يضيع الأبناء.. فالأم معين لا ينضب من الحنان والعطاء، وهذه مزية اختصها الله بها، فحُق لها التكريم والتقديم علي الأب في الصحبة. الاحتفال بيوم الأم من "المصالح المرسلة" التي لم يأمر بها الشارع ولم ينه عنها، وحيثما كانت المصلحة فثم شرع الله عز وجل، ولا يتذرع جاهل أو متنطع بأن يقول: إن الاحتفال بدعة أو مذموم، فليس كل ترك تركه النبي صلي الله عليه وسلم، أو تركه الصحابة رضي الله عنهم، يدل على النهي أو التحريم أو الكراهة، فهناك مناسبات ينبغي الاحتفاء بها كالهجرة النبوية والإسراء والمعراج وتحويل القبلة وهي معالم من السيرة الوطنية، وهناك مناسبات وطنية كالتحرير والنصر، وهناك مناسبات اجتماعية كيوم الأم وغيرها، فلنحرص على هذه المناسبات لأنها تجدد الالتزام بأمور تحققها مصالح، والمصالح معتبرة.ويشدد علي أن بر الوالدين من أعلى القربات في الشريعة الإسلامية. قال (وَوَصَّيْنَا ٱلْإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُۥ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَٰلُهُۥ فِى عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوَٰلِدَيْكَ إِلَىَّ ٱلْمَصِيرُ). ومن صور البر العملية المبهجة ما قصه القرآن من بر المسيح عيسى عليه السلام بأمه في سورة مريم، وما رواه المحدثون في المصنفات الحديثية المعتمدة من أن النبي، صلى الله عليه وسلم، جاء إلى قبر أمه السيدة آمنة بنت وهب، فأصلحه ثم بكى بكاء شديدا. قال الراوي: فبكينا لبكائه، ثم قال لنا: "استأذنت ربي أن أزورها فأذن لي، وأستأذنته أن أستغفر لها، فلم يأذن لي"، لأنها لم تدركه نبيا، وكونها من أهل الفطرة، الذين استثناهم الله من العذاب، قال تعالي (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا).برغم الوصايا القرآنية والنبوية وما في التاريخ الإسلامي في شتى مجالاته من الوصية ببر الأم، وأيضا بصلة الأرحام، فإننا في هذا الزمان نجد عقوقا، في صور شتي، يندي لها الجبين. ويري أن للعقوق أسبابا متعددة نتسبب في بعضها دون أن نشعر، ومن ذلك: التباعد في الحياة الأسرية والعائلية، مما يدى إلى قسوة القلوب والجحود والهجران، فبالأمس القريب، كان الناس يجتمعون على مائدة واحدة التماسا لبركة الطعام، وكانت الأسرة تجتمع كبيرها وصغيرها، وكان الناس يتسامرون في أوقات الفراغ أو قبل الإيواء للنوم..لكن الآن مع دوران عجلة الحياة، والناس في شغل شاغل، وراء الركض واللهث والجري خلف الأموال، وكذلك وسائل التواصل والاتصالات، نجد الأبناء داخل البيوت مشغولين بأجهزة الهاتف ومواقع التواصل وما شابهها، فلا يتحدث الابن مع أبيه، أو أمه، أو أخوته، أو يعيرهم الاهتمام، ومن هنا ينشأ الجفاء، ويحل العقوق. الشخص العاق لوالديه يحرم نفسه من أوسع أبواب الجنة، (الوالدين)، فيا خسارة من كان هذا دأبه. وقد نعي النبي صلي الله عليه وسلم، علي هؤلاء، فقال: "رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ"، قِيلَ: مَنْ؟ يَا رَسولَ اللهِ قَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ".والعقوق يحرم صاحبه من رحمة الله التي تعم الخلائق يوم القيامة، فيوم القيامة يشتد غضب الله عز وجل، ويغضب غضبًا لم يغضب قبله ولا بعده مثله، لكنه ينظر إلى عباده الموحدين نظر رحمة ورأفة يقيهم بها من أهوال ذلك اليوم وشدائده، لكنّ العاق لوالديه لا تشمله هذه النظرة، قال صلي الله عليه وسلم: "ثلاثَةٌ لا ينظرُ الله إليهم يومَ القِيَامَةِ: العاقٌّ لوالديْهِ، ومدمِنُ الخمْر، والمنَّان عطاءَه". للأم مكانة عظيمة في الإسلام, وحقوقا كثيرة تجاه أبنائها, لا يتسع لأدائها يوم واحد من العام, لأن الله تعالى أمر بالإحسان إليها, ومصاحبتها بالمعروف, كما أمر ببرها، وأمر الرسول الكريم، صلوات الله وسلامه عليه، الأبناء بمصاحبة أمهاتهم بالحسنى, وأنهن أولى بحسن الصحبة من غيرهن.: تخصيص يوم واحد في العام للامتثال لهذه الأوامر في حق الأم, لا يوفيها حقها, فإن البر بالأم يتجدد كل لحظة من عمرها, والمصاحبة بالمعروف تقتضي دوام هذه المصاحبة, والإحسان إليها, بل إن من البر بالأم ما يدوم حتى بعد موتها.من صور بر الأم بعد الممات الوفاء بنذرها الذي لم تتمكن من الوفاء به, وقضاء الصيام الواجب الذي لم تتمكن من قضائه, أو التكفير عنه, والحج عنها الحج المنذور, إن لم تتمكن من أدائه حتى ماتت, باعتباره دينا لله عليها, تبرئة لذمتها منه, كل هذا وغيره لا يكفي لأدائه يوم واحد في العام, لذا جعل الإسلام للأم من البر وحسن المعاملة, ما يستوعب كل أوقات عمرها, بل جعل برها ممتدا إلى ما بعد وفاتها, وذلك منهج الإسلام في رعاية حقوقها على أبنائها, فبالقطع لا يكفي يوم في العام لرد جزء من حقوقها هذه عليهم.
مشاركة :