إن البعض يتعامل مع الفشل في تقبله له أولًا، ومن ثم إعادة التكتيك أو التكنيك أو الاستراتيجية بشكل عام، أما غير الناجح فسوف يسمح للفشل أن يوقفه إلى الأبد، وفي هذا يقول د. شارلي جونز: "ما يهم ليس مقدار سقطتك، ولكن مقدار نهوضك من كبوتك".. يمكننا أن نجتاز اختبارات الحياة، ومع ذلك نخفق أحياناً في المقرر الدراسي فالطريقة التي يتعامل بها المرء مع الحياة تختلف عن الطريقة التي يتعامل بها الطالب مع كراسة الامتحان. ولكن هنالك وجه آخر للفكرة أو نقول قراءة أخرى للمسألة من منظور اجتماعي - فلسفي تناولها د. علي الوردي في كتابه (خوارق اللاشعور أو أسرار الشخصية الناجحة) والذي نشر في بغداد عام 1951م وتطرق في جانب منه إلى علاقة القوى النفسية أو اللاشعور بالإخفاق أو النجاح، وإن كانت تحليلاته أو ما يعتبرها كشوفاته يكتنفها قدر كبير من الغموض والإبهام، خاصة ما يتصل بما أطلق عليه الخوارق النفسية أو القوى النفسة الخارقة، والذى وضع لها تأويلات وتفسيرات خارج نطاق البحث العلمي الشرعي أو العلم الحديث على أي حال لا أريد أن أجادل في دوافع د. الوردي. لنقرأ النجاح والإخفاق من زاوية أخرى، وذلك من خلال فكرة الممكن والتي تطرق إليها د. تراسي في كتابه (غير تفكيرك) يقول د. تراسي: لقد قابل كل شخص ناجح - على مختلف المستويات - عدد من المصاعب والعقبات والهزائم والاخفاقات على مدار حياته ولكنه في الغالب يجتازها من خلال تملكه عقلية آلية النجاح والمتمثلة في تغيير وضعيته من حالة الإخفاق إلى حالة النجاح. وان كانت هذه الفكرة لا تلتقي مع قانون (ميرفي)، وميرفي بالمناسبة كان يعمل مهندسًا في قاعدة إدوارد الجوية في أميركا عام 1949م توصل إلى بعض الأفكار وصبها في أذهان طلابه أثناء فترة التدريب، وخلاصتها أننا لا نستطيع تجنب الإخفاق أو بتعبير آخر (الفشل) إذا كتب له أن يحدث أيًا كان ما نقوم به، فالأمر الوحيد الذي أمامنا هو طريقة تعاملنا مع الفشل حين نقع فيه من دون توقع. وفي هذا يقول د. زاليزنيك إن الناجحين يستجيبون للإخفاقات استجابة مختلفة مقارنة بالآخرين، وكان استنتاجه الذي توصل إليه أن هنالك مؤشرات تكشف له إذا ما كان سوف يحقق نجاحًا في مجاله أو تجربته أم لا. وإن كان البعض يتعامل مع الفشل في تقبله له أولًا، ومن ثم إعادة التكتيك أو التكنيك أو الاستراتيجية بشكل عام، أما غير الناجح فسوف يسمح للفشل أن يوقفه إلى الأبد وفي هذا يقول د. شارلي جونز: "ما يهم ليس مقدار سقطتك ولكن مقدار نهوضك من كبوتك". وقد وضع د. آبراهام زاليزينك من كلية هارفرد لإدارة الأعمال التجارية دراسة حول الدور الذي تلعبه الإخفاقات في الحياة، وإن كان د. زاليزينك ينظر إلى الوجه الآخر من الإخفاق وهو أنه إذا ما كنت ذكيًا ودقيقًا في تحليلك فإن لديك قدرات استثنائية في تغيير وضعيتك، وهذا ما سوف يمكنك من تجنب الفشل فالتفكير المسبق وتوقع ما يكون يساعد على الحماية من العقبات. وإن كان أفضل الطرق الاستعداد العقلي في مواجهة الإخفاقات والأزمات، حتى ولم تكن تعرف تلك الإخفاقات أو متى ستلحق بك. هذه إحدى أقوى تقنيات التفكير التي يمكن استخدامها في مواجهة الإخفاقات الطارئة، وإن كانت تدخل فيما يعرف بالتنبؤ بالإخفاقات فبعض الإخفاقات التي قد تحدث تخرجك عن مسارك المرسوم سلفاً، ما يحتم عليك وضع بدائل، فمثلًا شركة رويال واتش الهولندية وضعت أكثر من 600 خطة بديلة للتعامل مع أي إخفاق يقع للشركة، ولذلك فنادرًا ما كانت تفاجأ بأي شيء يحدث. فالتفكير المسبق له نتائجه الإيجابية حتى مع الأشخاص، فممارسة التنبؤ أو التوقع يمكنك من إيجاد الخطط البديلة للتحرك حيال أي موقف ما، فمثلًا ماذا سوف تفعل إذا ما فقدت عملك فجأة لسبب ما أو ساءت استثماراتك، فالمقدرة على تأمل كل موقف له علاقة بحياتك بشكل مسبق وهو طريقة في التفكير يمكنك اكتسابها بالتدريب، فكلما تحسن أداؤك في التوقع من خلال قراءتك للواقع أصبحت حياتك في حال أفضل، ويكون بمقدورك أن تقلل الاخفاقات إلى الحد الأدنى وتزيد من عدد الفرص إلى الحد الأقصى وهذا يدخل فيما يعرف باستشراف المستقبل. وفي اليابان يواجهون الإخفاقات بالتحسين المستمر بما يعرف بنظرية Kaizen (كايزن) وهي تقوم على تقنية التحسين المستمر مثلاً التحسين المستمر لخطوط الإنتاج أو العلاقات الشخصية غير أن اليابانيين يدركون أن التحسينات المستمرة التي يتم إجراؤها تخلق تعزيزات لمواجهة أي إخفاق يطرأ والتي تعود هذه الفكرة إلى د. إدوارد ديمنج الذي جاء إلى اليابان لاستعادة القاعدة الصناعية اليابانية التي كانت قد تدمرت بسبب الحرب العالمية الثانية، والتي هي ببساطة التزام مستمر ودائم برفع نوعية الأداء والتحسين المستمر، وقد وعد اليابانيين بأنهم إن التزموا بهذه النظرية فإنهم سوف يكونون إحدى القوى الاقتصادية المهيمنة على العالم خلال عقد أو عقدين وقد صدقه اليابانيون واعتبروه أبو المعجزة اليابانية وفي كل عام جائزة د. ديمنج تمنح للشركة التي تحرز أعلى مستوى في رفع نوعية منتجاتها وتحسيناتها المستمرة في اليابان. بعيداً عن التفكير المنطقي علينا أن نعيش الحياة في غاية الهدوء والبساطة والاسترسال فما يمكن أن نفعله أن ننساب مع السليقة كالمبدع الذي يذوب في إبداعه. إن عقدة الإخفاق منشؤها البحث عن الكمال في كل شيء، ولكن طبيعة الحياة تتنافى مع هذا المنطق فالنجاح أحيانًا يأتي عفويًا على هيئة ومضات وفرص. لندع منطق أرسطو (التفكير المنطقي) جانبًا في قياساته المنطقية لكل التفاصيل الدقيقة التي يمر بها الإنسان في حياته والتي تجعله يدقق في كل التفاصيل معتقدًا أن التفكير المنظم مصدر النجاح. ففرص الحياة حقيقة لا تلتقي مع التفكير المنطقي، وإنما مع الانسياب والاسترسال.
مشاركة :