تمخضت الانتخابات العامة التي أجريت في إسرائيل للمرة الرابعة خلال عامين اثنين عن مشهد سياسي أبعد ما يكون عن الوضوح. هذا ما استنتجناه من النتائج التي أفرزتها هذه الانتخابات التي أجريت قبل بضعة أيام. رغم أن الكثير من الناخبين لا يحبون بنيامين نتنياهو، فهو يظل يمثل قوة لا يستهان بها في المشهد السياسي في إسرائيل. يظل المشهد السياسي في إسرائيل مفككا وتغلب عليه الانقسامات حتى أن عملية تشكيل حكومة جديدة ستتطلب من قادة أحد الأحزاب الصغيرة أو من قادة عدد من هذه الأحزاب المصنفة صغيرة الانضمام إلى هذه الحكومة الائتلافية مع مجموعات أخرى تنفر منها، بل إنها تعهدت للناخبين بعدم التعامل معها. من الواضح أن المشهد السياسي في إسرائيل قد تحول بما لا يدع أي مجال للشك إلى اليمين حتى أن السلام مع الفلسطينيين لم يعد يمثل مسألة مطروحة بالنسبة للأغلبية الساحقة من السياسيين ومن الناخبين الذين صوتوا لهم. بطبيعة الحال لا يوجد أي شيء جديد في هذا الذي ذكرناه. أما الأمر الجديد والذي ينطوي على خطر كبير في المستقبل فهو يتمثل في تجمع المتطرفين العنصريين تحت اسم «القوة اليهودية» وهو حزب أنشأه أتباع الحاخام مائير كاهانا وقد فاز ببعض المقاعد في الكنيست الإسرائيلي. خلال الحملة الانتخابية الأخيرة سعى بنيامين نتنياهو إلى مغازلة هذا الحزب المتطرف الجديد ووعد أحد قادته، وهو إيتمار بن غفير، بمنحه حقيبة وزارية في الحكومة، وهو ما يثير مخاوفي وغضبي لأنه كان لي تاريخ طويل مع المواقف العنصرية العنيفة والمعادية للعرب التي ظل يمارسها ضدنا كاهانا وأتباعه. يوم 30 أبريل 1971 وفي اليوم الذي كنا نحتفل فيه بعيد ميلاد زوجتي، وصلني أول تهديد بالقتل من أتباع مائير كاهانا. في صباح ذلك اليوم، وجدنا ظرفا تحت الباب. وعندما فتحته زوجتي إيلين وجدت رسالة تهديد كتبت بأحرف مقتطعة من إحدى المجلات وألصقت على ورقة بيضاء. كتب في تلك الرسالة: «ستموت أيها الكلب العربي إذا ما وضعت قدمك مرة أخرى في الجامعة». لم تكد تمضي أيام قليلة حتى هجم بعض أتباع كاهانا على الصف الذي كنت أدرس فيه في برنامج «مقدمة للأديان» غير أن مجموعة من الطلاب السود قد تصدت لهم، لكنهم واصلوا تهديداتهم ومضايقاتهم لي لعدة أشهر بعد ذلك. خلال السنوات التي أعقبت تلك الحادثة تعرفت أكثر على مائير كاهانا وهو حاخام ولد في حي بروكلين ويعتمد خطابا عنصريا عدائيا ويروج لآيديولوجية عنيفة كما أن أتباعه هم أساسا من رابطة الدفاع عن اليهود. لقد ألقوا قنبلة حارقة على مكتبي وقتلوا صديقي وزميلي ألكس عودة وأصابوا المئات أيضا في حملة عنيفة استمرت على مدى عقود واستهدفت العرب الأمريكيين والفلسطينيين، إضافة إلى اليهود الذين لم يتفقوا معهم. في إحدى المرات، تزعم مائير كاهانا بنفسه مجموعة من أتباعه وجاؤوا إلى مكتبي وبدأ يضرب على الباب بقوة ويغني ويقول إنه يعرف حقيقتي وأنه يعرف كيف يجدني ويتعامل معي كما ينبغي بلغة التهديد. في أواخر الثمانينيات، تم حظر حزب «كاخ» السياسي، الذي أسسه مائير كاهانا في إسرائيل، بسبب عنصريته الشديدة وتحريضه على العنف. بعد مرور بضعة أعوام، قام باروخ غولدشتاين، العضو السابق في رابطة الدفاع عن اليهود حزب «كاخ» العنصري المتطرف، بقتل 29 فلسطينيا أثناء أدائهم صلاتهم في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل بالضفة الغربية، فيما قام أحد أتباع مائير كاهانا باغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين. على ضوء تلك الأحداث الدموية العنيفة تم تصنيف هاتين الجماعتين منظمتين إرهابيتين في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. كان أتباع مائير كاهانا إلى وقت غير بعيد يعيشون منبوذين على هامش المجتمع الإسرائيلي، وها هم سيدخلون الآن إلى الكنيست وقد يكونون ضمن تشكيلة الحكومة الإسرائيلية الجديدة. لعل ما أجده أمرا صادما هو أن هذا التطور لم يلفت الانتباه ومر مرور الكرام في صفوف أنصار إسرائيل في الولايات المتحدة أو في الإدارة الأمريكية. يجب أن نتمعن في تاريخ بن غفير، حليف بنيامين نتنياهو حتى ندرك مدى عنفه وعنصريته. فهو يعمل كمحام وقد ظل يترافع عن اليهود اليمنيين المتهمين بارتكاب جرائم العنف ضد الفلسطينيين واليهود الليبراليين. انضم إلى حزب «كاخ» في فترة الثمانينيات من القرن الماضي وتحول بسرعة إلى واحد من طلاب الحاخام مائير كاهانا وتشبع بأفكاره العنصرية. تم تضمين تلك الأفكار في جملة من مشاريع القوانين التي تقدم بها مائير كاهانا إلى الكنيست عندما كان عضوا في الكنيست بعد أن فاز بمقعد سنة 1984. جاء في أحد مشاريع القوانين التي اقترحها: «تفرض على غير اليهود الرسوم والضرائب والعبودية. إذا لم يوافق غير اليهود على العبودية والضرائب يتم ترحيلهم». جاء في أحد القوانين الأخرى المقترحة: «لا يسمح لغير اليهودي بالعيش في مدينة القدس». لقد طالب عضو الكنيست مائير كاهانا أيضا بالفصل ما بين اليهود والفلسطينيين وفرض عقوبات صارمة تصل إلى 50 سنة سجنا لكل من يقيم علاقة جنسية مع اليهود. قبل بضعة أسابيع من الآن، تحدث بن غفير عن مائير كاهانا واعتبره «بطله» وطالب بطرد الفلسطينيين من مواطني إسرائيل والذين لا يبدون الولاء لدولة إسرائيل. أدين بالتحريض أكثر من 50 مرة كما أدين بمساندة منظمة إرهابية في سنة 2007. كذلك اعتبر باروخ غولدشتاين «بطلا» له وهو يعلق صورته في مكتبه. هذا هو الشخص الذي يتعامل معه بنيامين نتنياهو وحزب الليكود ويريدان إضفاء الشرعية عليه. قد يعتبر البعض أن تهديدات بن غفير وبقية أتباع مائير كاهانا بطرد الفلسطينيين مجرد أضغاث أحلام مريضة غير أنه أصبح الآن في الكنيست كما أن بنيامين نتنياهو وعده بحقيبة وزارية في الحكومة التي سيشكلها. لا بد أن يكون ذلك سببا كافيا كي ندق أجراس الإنذار ونرفع الأعلام الحمراء لأنصار إسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية كما أن هذا التطور الذي تشهده الساحة السياسية الإسرائيلية يمثل دعوة لإدارة الرئيس جو بايدن والأمريكيين أن أفيقوا على الحقيقة. من غير المقبول ملازمة الصمت والسكوت عن الأمر بل والتعهد بمواصلة تقديم المساعدات والدعم الدبلوماسي في ظل انزلاق إسرائيل نحو مزيد من التطرف. إن اتخاذ مثل هذا الموقف يعني التواطؤ، في نفس الوقت الذي نعترض فيه على وجود جماعات إرهابية ممثلة في حكومات دول أخرى، غير أننا في الولايات المتحدة الأمريكية لذنا بالصمت. { رئيس المعهد العربي الأمريكي
مشاركة :