لا تمثل زيارة جناح البيئة البدوية في «أيام الشارقة التراثية 18» مجرد سياحة لالتقاط الصور، بل تمنح الزائر فرصة لتثبيت الزمن وإعادة اكتشاف الذات الإنسانية في أبهى حالات بساطتها. فكلما تخفف الإنسان من الاحتياجات واكتفى بضروريات الحياة كما تصورها حياة البادية، تزيد مساحة الشعور بحميمية المكان وبجماليات القيم التي تنتجها البيئة من حوله. يركز الزوار عدساتهم على بدوي يحمص حبات القهوة.. يحركها كما لو أنه يحصي عدد حباتها السمراء الداكنة، وكلما تهيأت وأصبحت جاهزة لسحقها مع حبات الهيل، تتزايد عدسات الكاميرات المسلطة على ركن القهوة، حينها تفوح رائحة الضيافة العربية بكامل أصولها وطقوسها. يستقبل البدوي ضيوفه ويقيم مجالسه في «بيت الشّعر» الذي يمتد أمامه بساط من الرمل، وكل رشفة قهوة في بيت الشعر تمنح الضيف شعوراً بنعمة الظل في قيظ النهار. تقارب اجتماعي ومن ضمن فعاليات الحدث وتحت عنوان «تراث الكمامة»، ناقش الفنان الدكتور محمد يوسف أثر الإجراءات الاحترازية المصاحبة لانتشار جائحة فيروس كورونا على مستقبل التقارب الاجتماعي، وعلى استمرار تقاليد التواصل، سواءً على المستوى العام، أو على مستوى أفراد العائلة الواحدة. جاء ذلك خلال جلسة حوارية أدارها الدكتور مُنّي بونعامة مدير إدارة المحتوى والنشر بمعهد الشارقة للتراث، ضمن فعاليات المقهى الثقافي في الدورة الـ18 من أيام الشارقة التراثية، التي تتواصل حتى 10 أبريل في قلب الشارقة. وقال د. محمد يوسف: «على المجتمعات أن تأمل في تجاوز محنة كورونا بدون أن تخسر عاداتها وتقاليدها بفعل الإجراءات الاحترازية القاسية»، وتمنى عدم تحوّل الإجراءات التي صاحبت انتشار الجائحة إلى سلوك دائم يؤثر في المستقبل على التواصل البشري. رقصات مونتينغرو كثيراً ما يقال «إن الرقص لغة إنسانية عالمية»، إلا أن الحديث يفهم غالباً في سياق قدرة البشر على تذوق جمالياته والإحساس بما يحمله من مشاعر، لكن مجموعة من المؤدين من جمهورية الجبل الأسود (مونتينغرو) أكدت أنه لغة حيّة قادرة على رواية تاريخ شعب كامل، إذ أخذت الجمهور بعروضها، وأزيائها المطرزة والمزخرفة بالأحمر والأبيض، وحملتهم إلى المزيج الثقافي الإسلامي والروماني الذي تشكل منه تراثها وجعلها واحدة من البلدان ذات التراث المتفرد. في حين يروي جناح المالديف المشارك في الفعاليات، تاريخاً ثقافياً غائباً عن تراث هذه الجزر وحياة سكانها، حيث تتباهى فيه القطع الخشبية من جذوع أشجار الكاجو بألوان متعددة، وتتنافس بأحجامها، ولكن يظل قاسمها المشترك أنها صُنعت بأيدي أناسٍ يعشقون الفن، ويدركون كيف يبعثون الجمال في الجذوع الميتة، ويحولونها إلى تحف خشبية، بالألوان الزاهية. ويوضح الفنان المالديفي حسين أحمد أن هذه الحرفة عريقة في المالديف، وتعود في تاريخها إلى القرن السابع عشر، مبيناً أن العمل على الآلة التي يتم استخدامها لصناعة هذه التحف، والتي تعرف باسم «المخرطة»، يتطلب شخصين، أحدهما يتولى عملية تحريك القطعة، بينما الثاني يتولى عملية الرسم عليها. فعاليات منوعة وتواصلت فعاليات أيام الشارقة التراثية في المنطقة التراثية بمدينة خورفكان في يومها السادس، إذ أقيمت فعاليات تراثية وثقافية وفنون شعبية متنوعة وجاذبة، حيث قدمت فرقة السلماني فن الرزيف الحربي؛ كما قدمت فرقة الليوا الشعبية على مسرح المنطقة التراثية استعراضات فنية، ورقصات شعبية تراثية ترتبط بأهل البحر، وتميزت عروضهم ورقصاتهم بالإيقاعات الموسيقية باستخدام الطبل والمزمار، كما قدمت فرقة أوكرانيا عروضاً ورقصات شعبية. وتواصلت الفعاليات بمسابقات وطنية وتراثية للكبار والصغار. وشهد فعاليات اليوم السادس جمهور كبير من عشاق ومحبي التراث، والباحثين والمختصين، تنقلوا في مختلف مواقع المنطقة التراثية، في ظل التزام تام بكافة الإجراءات الوقائية والاحترازية من أجل صحة وسلامة الجميع. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :